نغني كأننا شعب واحد.. ونكره كأننا لم نلتق يوما

19 يونيو 2025
نغني كأننا شعب واحد.. ونكره كأننا لم نلتق يوما


في تموز من العام 2021، رفعت الجمعية العامة للأمم المتحدة صوتًا عالميًا حازمًا ضد “الانتشار المتسارع لخطاب الكراهية”، فكرّست يومًا عالميًا لمناهضته، في 18 حزيران، داعيةً الحكومات والأفراد والمجتمعات إلى الوقوف في وجه هذه الآفة، سواء في العالم الواقعي أو في زوايا الإنترنت المظلمة. ومع تفاقم خطاب العنف والتمييز، بات اللطف مقاومة، والكلمة الحنونة فعلًا شجاعًا.








لكن لنتأمل نحن كلبنانيين قليلاً في مرآة هذه المناسبة.
نحن الذين نعيش على خط التماس بين الحب والضغينة، بين الحياة الصاخبة والموت الرمزي في صراخ السياسة. نحن الذين نملأ الحانات بأغانٍ تتغنى بالحياة، ونلتقي في المهرجانات على اختلاف أطيافنا نرقص كأن الوطن لنا جميعًا. من جبيل إلى صيدا، من البترون إلى عاليه، لا أحد يسأل الآخر عن طائفته أو انتمائه حين يكون الفرح مشتركًا، حين يتقاسم اللبناني كأسه أو ضحكته أو صورته على وسائل التواصل.

وفي المقابل…ما إن ندخل عتبة السياسة، حتى نتبدّل.
نخلع عنا “لبنانيتنا” ونرتدي عباءات ضيقة من الطائفية والخصومة والتخوين.
كأن السياسة عندنا ليست شأنًا عامًا، بل طعنٌ في الشراكة. كأنها رخصة موقّعة بالكراهية.

نصرخ في الانتخابات، نحقد في الشاشات، نشتم على الفايسبوك و”أكس”، ننبش “قبور”الذاكرة الجماعية بحثًا عن أحقاد قديمة نعيد تغذيتها، لا لنغيّر، بل لننتقم من ماضٍ لم نغفره ولم ننسه.
نصبح خصومًا لا يربطهم إلا تاريخ متصدّع… أو حرب أهلية مؤجلة.

أي تناقض نحياه؟
كيف يمكن لشعب أن يكون بهذا القدر من اللطف في يومياته، وبهذا القدر من القسوة حين يتكلم في السياسة؟
كيف لقلوب اجتمعت على أغنية، أن تنقسم عند خطاب؟
كيف لعشاق البحر والجبال والعرق البلدي أن يتحوّلوا إلى متاريس لغوية في نشرات الأخبار ومنصات التواصل؟

ربما لأننا شعب لم يُشفَ.
شعب تألم كثيرًا، لكنه لم يُداوِ جراحه، بل خبأها تحت سجاد الكلام الجميل.

في اليوم العالمي لمناهضة خطاب الكراهية، لا يكفي أن نغضب من الشتائم التي تطال طائفة أو زعيمًا أو منطقة.
ولا يكفي أن ندعو إلى المحبة في المناسبات.
بل علينا أن نتصالح مع ذاتنا أولًا. أن نفهم أن الاختلاف لا يعني الخوف، وان التباين لا يعني الكره.
اللبناني قادر على أن يكون أبهى ما يكون حين يقرّر أن يكون إنسانًا.
وحين نختار الفرح، لا يعود للكره مكان.
لكننا، ويا للأسف، لا نحسن اختيار اللحظة التي نكون فيها وطنًا واحدًا حقًا.

في هذا اليوم، لا نحتاج لخطاب كبير أو ميثاق جديد، بل لفعل بسيط:
فلنُطفئ كلمة جارحة، ولنُشعل في المقابل كلمة طيّبة.
فالكلمة ليست مجرد صوت، بل مصير.
وفي لبنان، المصير ما زال قابلاً للحنان… إن شئنا.