حزب الله يضرب الأخماس بالأسداس

24 يونيو 2025
حزب الله يضرب الأخماس بالأسداس


بعدما دخلت الولايات المتحدة الأميركية على خطّ الحرب الإسرائيلية – الإيرانية لم يعد من الجائز القول بأن لبنان غير معني، ولو بطريقة غير مباشرة، بما يجري على الساحة الإقليمية من تطورات متسارعة تنذر بأسوأ الاحتمالات، خصوصًا إذا قرّرت طهران أن تخوضها حربًا “كاميكازية” ضد القواعد الأميركية في كل من العراق وسوريا، وصولًا إلى مهاجمة اسطولها البحري.


Advertisement

]]>

فلبنان، كما سبق أن أشار إليه أكثر من مراقب سياسي، قد أصبح في عين العاصفة، وبالأخصّ إذا ما طُلب من “حزب الله” الانخراط في هذه الحرب، التي تبدو حتى الساعة، غير متكافئة، وذلك لأسباب كثيرة، ومن بينها أن طهران لم تقرأ جيدًا في الكتاب الأميركي الموقّع باسم دونالد ترامب، الذي يعتبر أن السلام لا يمكن فرضه إلا عن طريق القوة، وهو منطق غير قابل لـ “الهضم” من قِبل جمعيات حقوق الانسان، التي يختلف مفهومها للسلام العالمي مع السلام، الذي تسعى إليه واشنطن عبر طروحات أقّل ما يُقال فيها ما قاله جان لافونتين في إحدى قصائده عندما تحدّث عن الذئب والحمل مستخلصًا بأن “منطق القوي هو دائمًا الأفضل”.
حتى هذه الساعة لا يبدو أن “حزب الله” في وارد الانخراط في حرب تجمع القوى السياسية على وصف المنعطف الذي دخلته المنطقة مع اندلاع المواجهات العسكرية الإيرانية – الإسرائيلية وانضمام أميركا إليها بأنه أكثر من خطير، وأنه من الأفضل للبنان أن ينتظر في قاعة الانتظار وليس في الملاجئ، وذلك من خلال ضبط النفس، وعلى وجوب تحييد لبنان عن هذا الصراع “الأكبر منه”، مع مقاربات لا تستند إلا إلى التمنيات بألاّ تضطّر طهران للطلب من “حزب الله” المشاركة في هذه الحرب على رغم أن المؤشرات الحالية لا توحي بأن إيران في وارد الاقدام على هذا الأمر، وذلك لعلمها المسبق بأن هذا التدّخل سيجلب الويلات على لبنان، وعلى بيئة “حزب الله” بالتحديد من دون أن يكون لهذا التدّخل الفعالية المطلوبة في تغيير المعادلات القائمة حاليًا.
وعلى رغم تأكيد الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم بأنه ليس على الحياد “بين حقوق إيران المشروعة واستقلالها، وبين باطل أميركا وعدوانها، ومعها الغُدَّة السرطانية إسرائيل والمستكبرون، ونتصرفُ بما نراه مناسبًا في مواجهة هذا العدوان الإسرائيلي الأميركي الغاشم”، فإن “الأخ الأكبر”، الرئيس نبيه بري، المتقدّم في طروحاته العقلانية، ينطلق من قراءة متبصرّة لما يجري من تطورات متسارعة ليخلص إلى القول بأن الظروف قد تغيَّرت عمّا كانت عليه قبل هذه الحرب، التي تخطّت بخطورتها أي قواعد للاشتباك، وهي لم تعد مجرد مناورات في الوقت الضائع.
فالرئيس بري بتأكيده أن “الحزب” لن يتدخل في هذه الحرب “مئتين بالمئة”، لا ينطق باسمه فقط بل وباسم “الحزب” أيضًا، خصوصًا أنه لم  يصدر عنه أي موقف قد يُفهم منه أنه يخالف ما أعلنه حليفه الاستراتيجي، الذي دعا الجميع إلى العودة إلى الحوار، “لأن لا بديل منه لوقف الحرب ووضع حد للعدوان الإسرائيلي على إيران، لخلق المناخ المؤاتي للتوصل إلى تسوية تتعلق بالملف النووي الإيراني”.
وبهذا الموقف يبدو أن الرئيس بري يتلاقى مع موقف كل من رئيسي الجمهورية والحكومة، ومع موقف كل القوى الحريصة على عودة الاستقرار إلى المنطقة ولبنان، بدلاً من الدخول في مزايدات غير مجدية، قد تتخذها إسرائيل ذريعة لإبقاء احتلالها للتلال الخمس والتهرّب من تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار والقرار 1701.
 
فدخول واشنطن على خطّ الحرب الإسرائيلية – الإيرانية ليس “مزحة” كما يصفه المراقبون السياسيون. وهذا ما يرجّح فرضية بقاء “حزب الله” على موقفه المبدئي القائم على معادلة تفويت الفرصة على إسرائيل للانقضاض على لبنان، على رغم أن تل أبيت ليست في حاجة إلى أي ذريعة لترجمة مخططاتها التوسعية في الاتجاه الشمالي.
فـ “حزب الله”، وفق المعلومات التحليلية، منصرف إلى إجراء تدقيق جدّي في ما يمكن أن يتخذه من خطوات، وهو لن يقدم على موقف تغلب عليه الحماسة الشعبوية قد يرتدّ عليه سلباً، على غرار قرار إسناده لغزة، والذي رتب عليه اكلافًا بشرية ومادية باهظة، وأقحم لبنان في حرب كان في غنى عنها، مع تجديد التأكيد بأن إسرائيل لم تكن في حاجة إلى أي ذريعة لصبّ جام حقدها على بيئة “الحزب” في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت.