يواجه لبنان تحدّيات اقتصاديّة وماليّة جسيمة، وقد برزت الخدمات الماليّة الرقميّة، كأدوات لتحديث القطاع الماليّ والمصرفيّ. واستجابةً للاعتماد المتزايد على المعاملات الرقميّة، اتّخذ مصرف لبنان تدابير تنظيميّة جديدة تهدف إلى تعزيز الثقة والشفافيّة والنزاهة التشغيليّة لنظام المحافظ الإلكترونيّة. فصدر مؤخّرًا التعميم الوسيط رقم ٧٣٥ الذي ينظّم العمليّات المصرفيّة والماليّة عبر الوسائل الإلكترونيّة.
ينقل التعميم رؤية أوسع لضمان توافق الابتكار في مجال التمويل الرقميّ مع المسؤوليّة والرقابة وحماية المستهلك، اذ يطلب من المؤسّسات الماليّة التي تدير المحافظ الإلكترونيّة الالتزام بخطّة عمل معتمدة لستّة أشهر من تاريخ الترخيص، مع وجود بنود طارئة تسمح بتمديدات استثنائيّة، والاحتفاظ بحسابات ضمان منفصلة ومموّلة بالكامل لدى البنوك.
سيُطبَّق ضوابط متطوّرة على النظام لمنع أيّ محاولة لتجاوز الحدود التنظيميّة، مع فرض عقوبات على الاحتيال. وسيُعتمد نظام مراقبة مستمرّ وتغطية تأمينيّة للحماية من التلاعب والتهديدات الإلكترونيّة، وتقديم تأكيدات دفع الفواتير والرسوم للوزارات أو المؤسّسات العامّة المعنيّة في غضون ثلاثة أيّام عمل.
ستُعزز هذه الإجراءات الثقة في قطاع المدفوعات الرقميّة وضمان حماية المستخدمين مع تعزيز الاستقرار الماليّ الكلّيّ. ومن المتوقّع توسيع نطاق الخدمات الماليّة الرقميّة في لبنان. من ناحية أُخرى، تتيح المحافظ الإلكترونيّة العديد من الفرص، بما في ذلك الشمول الماليّ، حيث يمكنها جلب العملاء غير المتعاملين مع البنوك إلى النظام الماليّ الرسميّ.
مع تجاوز معدّل انتشار الهواتف المحمولة، أصبحت البنية التحتيّة جاهزة بالفعل لتوسيع نطاق الوصول إلى الفئات المحرومة وتجاوز ساعات العمل والعطلات الرسميّة للجميع. كذلك، يُمكن لدمج المحافظ الإلكترونيّة في القطاع العامّ أن يُعزّز كفاءة تحصيل الضرائب والغرامات وفواتير الخدمات، مع تعزيز الشفافية والحدّ من البيروقراطيّة.
على الرغم من هذه السبل الواعدة، إلّا أنّ الطريق إلى تبنّي المحافظ الإلكترونيّة على نطاق واسع لا يخلو من العقبات. فبعد سنوات من سوء الإدارة الماليّة وفقدان المدّخرات في البنوك التقليديّة، لا تزال ثقة المواطنين في أيّأداة ماليّة هشّة. كما أنّ العبء التنظيميّ على مُقدّمي الخدمات الصغار كبير. بالإضافة إلى ذلك، تنشأ مخاطرالأمن السيبرانيّ مع تزايد المعاملات الرقميّة.
يجب على المنظمّات الاستثمار في البنية التحتيّة للأمن السيبرانيّ، وتثقيف المستخدمين عن طريق برامج الثقافة الرقميّة وتحقيق “الوعي الرقميّ”، حيث تفتقر شريحة من المواطنين إلى المهارات اللازمة لاستخدام تطبيقات المحفظة الإلكترونيّة، ممّا يثير المخاوف بشأن الإقصاء الرقميّ.
من ناحية أُخرى، تُكمّل المحافظ الإلكترونية البنوك التقليديّة. فبينما تُوفّر بديلًا عمليًّا للمعاملات الروتينيّة والخدمات الماليّة الأساسيّة، إلّا أنّها ليست في وضع يسمح لها بالحلول محل المؤسّسات الماليّة بشكل كامل. فلا تزال البنوك تُهيمن على مجالات مثل الإقراض وإدارة الاستثمارات وصرف العملات، وتحويل المبالغ الكبيرة.فالمحافظ الإلكترونيّة بحسب التعميم الوسيط رقم ٧٣٥ هي أدوات “تسهيل الدفع”، وليست بدائل مصرفيّة. وقد قُيّدت وظائفها عمدًا للحدّ من المخاطر النظاميّة وحماية المستخدمين من التعرّض المفرط.
في الختام، تبقى التساؤلات مطروحة، هل يتلاشى الخطّ الفاصل بين البنوك وشركات التكنولوجيا الماليّة في السنوات القادمة؟ وهل يشهد لبنان تطوير كيانات تجمع بين مرونة التكنولوجيا الماليّة والوظائف الكاملة للخدمات المصرفيّة التقليديّة تحت سقف رقميّ واحد؟ ألا تهدف المحافظ الإلكترونيّة إلى استبدال النظام المصرفيّ، وإيجاد نقلة نوعيّة في كيفيّة تقديم الخدمات الماليّة والوصول إليها؟ وفي سعي لبنان نحو التحديث والإنصاف، هل تُعدّ هذه المحافظ الإلكترونية بمثابة مُحفّزاتٍ لإعادة بناء الثقة، وتوفير السهولة والراحة، ودفع عجلة التمكين المالي المستدام؟