في خضمّ التوترات الإقليمية والتطورات المتسارعة، تُمارس في الإعلام المحلي والدولي عمليات تهويل ممنهجة تطال الساحة اللبنانية، فتارة يُحكى عن حرب إسرائيلية وشيكة على حزب الله ولبنان، وتارة أخرى عن خطر قادم من الشرق، عبر هجوم محتمل من الجيش السوري أو مجموعات أجنبية تدور في فلكه.
هذا التهويل يزرع القلق في الشارع، ويغذّي سيناريوهات غير واقعية، في حين أن القراءة الموضوعية للمشهد لا تدعم كثيرًا هذه الفرضيات.
ففي ما خصّ التهويل المتكرر حول هجوم سوري محتمل على لبنان، يبدو هذا السيناريو غير منطقي لعدة أسباب. أولًا، لا تزال الولايات المتحدة الأميركية تؤمّن مظلّة استقرار أمني ولو بالحدّ الأدنى للبنان، وهي، وإن كانت لا تتدخل مباشرة في التفاصيل اليومية، إلا أنها لا تزال تمانع انزلاق الوضع اللبناني نحو الفوضى الشاملة، لما في ذلك من انعكاسات سلبية على استقرار المنطقة الأوسع.
ثانيًا، من الناحية السورية، تبدو الخيارات العسكرية محدودة، ولا قدرة فعلية للنظام الجديد أو الممسك بالقرار في دمشق على فتح معركة مباشرة في لبنان. فمثل هذه المغامرة ستعني استنزافًا كبيرًا في الموارد البشرية واللوجستية، في وقت لا تزال مناطق كثيرة داخل سوريا – من الساحل إلى ريف دمشق، مرورًا ببعض أحياء حلب ووصولًا إلى إدلب – بحاجة إلى تمركز أمني وعسكري دائم لمنع اختلال التوازنات الداخلية الهشة.
ثالثًا، من يضمن أن الجبهة العراقية لن تُفتح في سياق التصعيد ودعم حزب الله، فإن النظام السوري لا يملك ترف إدارة معركة كهذه. ففتح جبهة إضافية مع ما يعنيه من تحريك فصائل موالية عبر الحدود، قد يعرّض الوضع الداخلي في سوريا لهزات أمنية غير محسوبة العواقب، وهو أمر غير مرغوب به من أي من الأطراف الفاعلة، بما فيها الحلفاء.
ان ما يجري في الإعلام من حديث عن سيناريوهات متضاربة، يندرج في سياق الضغط النفسي والتهويلي، أكثر مما هو مستند إلى معطيات فعلية. ويبدو أن المطلوب إبقاء لبنان في حالة ترقّب وقلق دائمين، من دون أن يعني ذلك أن حربًا وشيكة واقعة فعلًا، لا من الجنوب ولا من الشرق.