الكلام الأخير للأمين العام لـ”حزب الله “الشيخ نعيم قاسم والذي أعلن فيه أن الحزب ليس في وضع الحياد عن المواجهات الضارية بين إيران وإسرائيل وأنه سيتصرف “وفق ما يراه مناسبا” لدعم طهران، خلّف عاصفة من التداعيات السلبية في الداخل اللبناني.
وكتب ابراهيم بيرم في” النهار”: ما رفع منسوب التوتر والحماوة في هذا المشهد أن الحزب كان حرص في الساعات الأولى لانطلاق الحرب على بث أجواء اطمئنان، إذ أعلن بلسان عدد من مسؤوليه أنه ليس في وارد الانخراط في هذه الحرب، اتكاء على نظرية أن إيران لديها قدرات تمكّنها من امتصاص مفاعيل الضربة الأولى ومن ثم المضي في رحلة الرد المؤلم والقاصم.
يؤكد عارفون بوضع الحزب أنه لم يكن أمامه إلا اتخاذ هذه المواقف وإعلان الانحياز إلى جانب حليفته إيران، فمع الموقف الابتدائي الذي أعلنه في عجالة أمام معركة مصيرية، بدا الحزب كأنه يثبت نظريات راجت بعد سريان اتفاق وقف النار، مفادها أنه أحال نفسه على التقاعد واستكان إلى نظرية العجز والخسارة، وفقد تلقائيا الموقع الذي اكتسبه خلال نحو عقدين بفعل أدواره الإقليمية، وهو ما أغرى أعداءه الذين مضوا في رحلة ممارسة مزيد من الضغوط عليه بقصد خنقه.
بيد أن الحزب شاء خلاف ذلك، وبدا أخيرا كمن ولج معركة “الارتداد” على الوضع الضيق الذي كانت جهات عدة تسعى إلى جعله فيه حصرا، وهو بدأ خطوات أولى لإثبات ذلك، منها وفق البعض الإشكالات في الجنوب بين الأهالي و”اليونيفيل”، وهي وإن اتخذت صورة المشادات المحلية فقد كان لها أبعاد أعمق، منها أنه يعترض على أمر واقع يراد فرضه عليه جنوبا.
وفي هذا الإطار يأتي موقف قاسم أخيرا لزوم الوضع الآني وفق تفسير بري، إلا أن الحزب يعتقد أنه كان ضروريا وجسر عبور يعيده إلى قلب المعادلة الإقليمية بعدما خال كثر أن حربه الضروس مع إسرائيل أخرجته منها قسرا. قد تمضي الأيام وتنتهي الحرب الحالية من دون أن يضطر الحزب إلى إطلاق صاروخ أو تنفيذ مهمة عسكرية ضد الإسرائيلي، لكن كلام قاسم أراده إعادة للحزب إلى خط التماس الإقليمي، وإسقاط فرضية أن “أذرع إيران” انتهت صلاحياتها والمقصود قص رأس المحور توطئة لإعلان نهايته.