آن الأوان ليدرك الجميع أن هناك مساراً كلما أسرعنا في سلوكه كلما قللنا المصاعب

4 يوليو 2025
آن الأوان ليدرك الجميع أن هناك مساراً كلما أسرعنا في سلوكه كلما قللنا المصاعب


أكد الرئيس فؤاد السنيورة في حديث إلى “الحدث” أن “الزيارة التي قام بها المبعوث الأميركي توماس برَّاك للبنان قد أعطت صورة واضحة للمسؤولين، وكذلك للبنانيين، عن ما لدى الجانب الأميركي من أفكار، وتحديداً بشأن الموضوع الأساس الذي يتم البحث بشأنه، وهو تنفيذ ما تعهدت الدولة اللبنانية بالتزامه في موضوع السلاح الخارج عن امرة الدولة اللبنانية. وكان ذلك التعهد من خلال خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس جوزاف عون، وأيضاً ما عبرت عنه الحكومة من خلال البيان الوزاري، الذي نالت الثقة على أساسه. وكذلك من خلال التصريحات العديدة التي عبر عنها وأدلى بها الرئيسان عون وسلام، وأيضاً ما أشار إليه الرئيس بري. هذا علماً أنَّ هناك مجموعة مندوبين، عن هؤلاء الرؤساء، تجتمع من أجل بلورة هذه الصياغة التي يفترض أن يتقدّم بها هؤلاء المندوبين إلى الحكومة اللبنانية، ومن ثم أن يُصار بعد ذلك إلى أن تعتمد الحكومة اللبنانية الصيغة التي تُقرّها وتعلنها باسم كل اللبنانيين، كموقف واحد موحد للدولة اللبنانية، وبالتالي يُصار إلى تقديمه للمبعوث الأميركي”.

أضاف:”هذه الصيغة ينبغي أن تنطلق أساسا من التوصل إلى القرار الكامل بأن تكون الأسلحة في لبنان حكراً وحصراً بيد السلطة الشرعية اللبنانية. وأعتقد أن هذا الأمر سيجري خلال الأيام القليلة القادمة إلى عرض هذه الصيغة الأوليّة، ومن خلال الرئيس بري الذي يتولى التواصل مع حزب الله، ليكون في المحصلة موقفاً متوافقاً عليه مع جميع اللبنانيين من أجل استعادة سلطة الدولة اللبنانية الكاملة على كل أراضيها ومرافقها، وأن يكون أي سلاح بإمرة الدولة اللبنانية. من المعروف بعد كل ما جرى في لبنان، أنَّ هناك داخل حزب الله أفكارًا مختلفة منها ما هو في حالة إنكار لما حصل، ورافض للاعتراف بالأمر الواقع، ومنها من توصل إلى إدراك أن هناك حاجة من أجل أن يجري التوصل إلى الموافقة على ما تعهدت به الحكومة اللبنانية وبالتالي من أجل أن يكون هذا الموقف، موقفاً لبنانياً جامعاً، يتم التوصل إليه ويعلن على الملأ، وبحيث يصار بعدها إلى التعاون مع الإدارة الأميركية من أجل فك العقد الموجودة، والتي يطالب لبنان بإيجاد الحلول الكاملة لها. أعني بذلك وقف جميع الاعتداءات والعمليات العسكرية التي ترتكبها إسرائيل ضد لبنان، وأن يتم ذلك بضمانة الولايات المتحدة. كما وأن تنسحب إسرائيل من جميع المناطق اللبنانية التي تحتلها إسرائيل، وأيضاً بما ينبغي على إسرائيل أن تقوم به لجهة أن تسلم الأسرى اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل، وأن تسمح بعودة اللاجئين اللبنانيين إلى ديارهم، وأن تبدأ عملية إعادة الإعمار للمناطق المدمرة والمتضررة. كما لمباشرة ما ينبغي على لبنان أن يقوم به من إصلاحات، وأيضاً من تفاهمات مع الشقيقة سورية، بما في ذلك تحديد الحدود بين البلدين”.
 

وردا على سؤال عما إذا كان لبنان قادر على حصر السلاح بيد الدولة، أجاب: “هذا الأمر جزء من جوهر المسألة، وهو ما ينبغي على الحكومة اللبنانية، ومن خلال التواصل الذي يجريه الرئيس بري مع حزب الله أن يتوصل الجميع إلى فهم حقيقة الوضع المأزق الذي أمسينا عليه بأنه لا يمكن للبنان أن يتخطى مشكلاته المعقدة، ولاسيما في وقف الاعتداءات القاتلة والمدمرة التي ترتكبها إسرائيل، وكذلك في أن تنسحب إسرائيل، ويعود النازحون اللبنانيون إلى قراهم وبلداتهم وتبدأ عملية إعادة الإعمار. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي التشديد على أنّ هذه الحال، ومن مختلف وجوهها التي أصبح عليها لبنان الآن، لا يمكن أن تستمر. وبالتالي لا يمكن أن تعود الحياة الطبيعية في لبنان في ظل استمرار إسرائيل تسرح وتمرح في الأجواء اللبنانية وتقوم بعمليات القصف والتدمير والاغتيال والقتل”.

أضاف:”هنا لا بد لي من أن أوضح أمراً مهماً، وهو أنّ هذا التطاول الإسرائيلي على لبنان الآن هو أيضاً نتيجةً لما تمّ التوصل إليه بما خصّ التفاهمات الجديدة لتطبيق القرار الدولي 1701. وهنا علينا أن نتذكر بأن هذا القرار الدولي أقرّته حكومتي الأولى في العام 2006، الذي كان ينص، بشكلٍ صريح، على ألا يكون هناك من سلاح ثقيل، ولا نتحدث هنا عن الأسلحة الفردية، بل عن السلاح الذي يتعدى ذلك في كامل منطقة جنوب لبنان غير سلاح الدولة اللبنانية الشرعية. هذا ناهيك عما يشدد عليه القرار الدولي 1701 لجهة ضبط الحدود وجميع المعابر من وإلى لبنان، ومنع إدخال السلاح إلى لبنان لغير القوى الشرعية اللبنانية. هذا ما كان على الجميع أن يتقيد به. المؤسف أنّ الأمر الذي حصل كان خلاف ذلك وهو أن إسرائيل لم تطبق ولم تتقيد بهذا القرار. وكذلك، فإنّ حزب الله لم يطبق هذا القرار الدولي”.
 

تابع:”هنا علي أن أوضح أمراً، بأنَّ حزب الله فعلياً كان يتذرع في عدم تطبيقه لهذا الاتفاق، بأنَّ إسرائيل لم تطبقه. بينما كان ينبغي على كل من إسرائيل وحزب الله، وأيضاً على الحكومات اللبنانية أن يعمد كل منها بدوره إلى تطبيق هذا القرار. وهنا يجب ان أوضح أنه كان على حزب الله العمل على سد الذرائع لا أن يسمح لإسرائيل باستعمال الحزب ذريعة. وهو كما يجري الآن، بحيث تستمر إسرائيل في احتلالها لمناطق من لبنان وأيضا لتستمر في اصطياد اللبنانيين متسلحة بأعذار شتى، وأن يستمر القصف والتدمير الإسرائيلي للبنان.

أنا أعتقد أنّ ما وصلنا إليه الآن يقتضي منا العمل حتى نتوصّل إلى حل كامل ونهائي، وذلك بوضوح وشجاعة والتزام، لاسيما وأن ليس هناك من خروج من هذا الوضع الكارثي الذي أمسينا عليه من دون العودة إلى ما تم التعبير عنه من خلال البيان الوزاري الذي تقدّمت به الحكومة اللبنانية، وحصلت على ثقة المجلس النيابي على أساسه. وكذلك أيضاً، استناداً إلى التصريحات التي يدلي بها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بأن لبنان يجب أن يتقدم على مسارات الطريق الذي يؤدي إلى الانسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان. وإلاّ، فإنه لا يمكن للبنان أن يحقق هذا الانسحاب الإسرائيلي إذا استمرّ وجود السلاح خارج سلطة الدولة اللبنانية. والحقيقة أنّه، طالما استمرّ الوضع على ما هو عليه الآن من تفلّت، واستمر تقاعس الدولة عن القيام بواجبها، فإنَّ ذلك سوف يؤدي إلى تكبيد لبنان خسارات إضافية كبيرة في الأرواح والخسائر المادية وضياع الفرص، ويستمر الحؤول دون عودة النازحين الجنوبيين إلى بلداتهم وقراهم، ولا تحصل عملية إعادة الإعمار. وهذه كلها أكلاف كبيرة ومتعاظمة لا يستطيع لبنان أن يتحملها”.
 

وقال: “هنا عليَّ، حتى ولو استطردت قليلاً للاستشهاد بهذه الطرفة، وذلك لأننا أصبحنا نحن في لبنان على شاكلة ذلك الرجل الذي قُبض عليه متهماً بارتكاب ذنب معين، وحُمِلَ إلى القاضي، الذي أيقن أن الجرم قد حصل، وبات إنزال العقوبة به ضرورياً. ولكن القاضي أعطى ذلك الرجل ثلاثة خيارات ليختار العقوبة التي تناسبه منها. وهي إما أن يدفع مائة ليرة ذهبية كعقوبة مادية، أو أن يقبل أن يُجْلدَ مائة جلدة، أو يأكل مائة قرن من قرون الفلفل الحار. هذا الرجل المذنب اختار العقوبة الأخيرة بدلاً من الأولى أو الثانية، آملاً أن يكتفي الأمر بذلك. ولذلك، فقد فضّل أكل الفلفل الحار، والذي أكل نصف عددها، ولم يستطع تحمل أكثر من ذلك. وبالتالي، فقد قبل مُكرهاً بأن يُجلد مائة جلدة، واضطر بعد ذلك إلى طلب وقف الجلد بعد أن ضرب خمسين جلدة. ولكنه بالنهاية انتهى بأنه أكل نصف قرون الحر وجلد خمسين جلدة ودفع في النهاية المئة ليرة ذهباً. يجب أن نعرف أنه ليس بإمكاننا على الإطلاق أن نستمر على هذه الحالة، وحيث أنّ من يدفع الثمن هم اللبنانيون. وكذلك، فإنّ لبنان يدفع الثمن. وبالتالي، فإنّ لبنان لا يستطيع أن يستمر على هذه الحالة التي يراهن بشأنها البعض على إمكانية حصول تغير من هنا أو من هناك. ونعرف جميعاً أن الأمل في حصول مثل هذا التغيير ضعيف إن لم يكن مستحيل المنال. وهنا علينا أن ندرك أن كل السرديات التي قدمها حزب الله خلال الفترة الماضية بأنه، وعبر سلاحه، يستطيع أن يؤمن في ردع إسرائيل، وأنه أيضاً يؤمن الحماية للبنان قد ثبت عدم صحتها. المؤسف أن هذه السرديات أثبتت عقمها وعدم صحتها. وهو لم يردع إسرائيل، ولم يحمِ لبنان. في المقابل، فإنَّ إسرائيل قد عمدت خلال السنوات الماضية إلى الاستثمار بشكل واسع في تعزيز قواتها الجوية وقوتها النارية، وكذلك قوتها الاستخباراتية والتكنولوجية. وبالتالي، فقد بتنا نحن الآن نواجه وضعاً يؤثر سلباً على لبنان واللبنانيين، وعلى النسيج اللبناني وعلى الوضع اللبناني برمته”.
 

وردا على سؤال قال:” ما يمكن أن يسهل عملية التوصل إليه في هذه الورقة اللبنانية هي أن يصار إلى التدرج في تطبيقها، أي ما يسمى اعتماد أسلوب الخطوة خطوة، وهو بالتالي تعبير عن حسن النية من قبل الطرفين تجاه الآخر أي أنه لا يصار إلى انتظار أن يُسلِمَ الحزب بالكامل أسلحته للدولة اللبنانية حتى تنسحب إسرائيل من كل المواقع وتسلم إسرائيل الأسرى وتسمح بعودة النازحين اللبنانيين إلى ديارهم. لذلك أنا أعتقد أن هناك إمكانية للتوصل إلى اعتماد أسلوب الخطوة لقاء خطوة، بحيث أنها تؤدي بالجميع إلى الالتزام بالتطبيق خلال الفترة الزمنية المحكي عنها. وهكذا تكون الحكومة اللبنانية قد اتخذت خطوة حكيمة تجاه حزب الله وبيئته من جهة ومحتضنة ومطمئنة لمكوناتها اللبنانية، ولكنها أيضاً حازمة أيضاً لجهة تحقق التوافق على التوصل إلى الانسحاب الكامل لكل أنواع السلاح الثقيل من لبنان، ويتم تسليمه إلى الدولة اللبنانية، ليكون حمل السلاح واستعماله حكراً وحصراً على الدولة اللبنانية”.
 

وردا على سؤال آخر أجاب: “لا أنكر أن هناك من يحاول أن يستعمل التقاعس عن اعتماد هذه الخطوات الضرورية لسحب السلاح وتسليمه للدولة اللبنانية وسلطاتها الشرعية من أجل شراء مزيد من الوقت، لعل وعسى أن يكون هناك من طارئ يغير المعطيات في لبنان، وبالتالي يستمر الحزب في حمل سلاحه. لكن، للأسف، علّمتنا الأيام أننا، على مدى الأعوام الماضية منذ العام 2006، كلما تقاعسنا عن القيام بالعمل الصحيح، وفي الوقت الصحيح، كانت المصاعب بعد ذلك أكثر كلفة وأكثر أوجاعاً. لقد كان بإمكاننا أن نطبق هذا القرار، أي القرار 1701 بأريحية، وأن نصل إلى مبتغانا بأن تنسحب إسرائيل من كل النقاط التي تحتلها في لبنان، وأن تسمح للبنان بعودة الحياة الطبيعية إلى جميع ربوعه، وأن نعود إلى ما ينص عليه اتفاق الهدنة الموقع في العام 1949 من القرن الماضي. لكن الذي حصل أنه لم يكن هناك من صدق من قبل الجانب الإسرائيلي لتطبيق القرار، وأيضاً لم يلتزم حزب الله تطبيقه. وبالتالي ها قد وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن. ولقد بات واضحاً الآن أنّ المراوغة والتقاعس عن القيام بهذه العمليات الإصلاحية لاستعادة الدولة لسلطتها الواحدة الموحدة على كل الأراضي اللبنانية، سوف يكون من نتيجتها أن يتحمل لبنان مزيداً من الأعباء والأكلاف والأوجاع”.
 

وردا على ما إذا كان لبنان يستطيع  أن يتحمل المزيد من الأعباء، قال:”الآن، وكما أصبحنا عليه، وكما تعلم، فإنَّ لبنان قد تحمَّل على مدى هذه الفترة الماضية ما لا يطاق. لقد تحمل لبنان أعباء سبعة حروب إسرائيلية شنتها إسرائيل عليه. دُلّني من هو البلد في العالم التي يستطيع أن يتحمل خلال خمسين عاماً ماضية سبعة حروب شنت عليه مثل لبنان. هذا الأمر لا يستطيع لبنان أن يستمر في أن يتحمله. ولذلك يجب على الجميع أن يدرك هذا الأمر، وإلاّ فإننا كمن يدفع بلده وناسه إلى الحفر مزيداً في الحفرة العميقة التي باتوا فيها، بما يعني بعدها استحالة الخروج من تلك الحفر العميقة”.

تابع: ” لقد أصبح واضحاً، بشكلٍ كامل، أن الاستمرار على هذا المنهج هو بالفعل يُحمِّلُ لبنان المزيد من الآلام والمعاناة والخسارات بالأرواح البشرية وبالتدمير، وأيضاً بما يؤدي إلى تردي الوضع الداخلي بلبنان. وبذلك يصبح بعدها الوضع مستحيلاً على الإصلاح، حيث يتسع الخرق على الراقع، وبالتالي لا يمكن التقدم على مسار عودة النازحين اللبنانيين إلى قراهم وبلداتهم، ولا إلى إعادة الإعمار. لا يمكن للبنان أن يستمر على هذه الحالة. إذْ أنَّ هناك البعض ممن يحاول مستعينًا بحال الانكار التي لديه وان يستعين الى ذلك بتقديرات وفرضيات وتوقعات أثبتت على مدى الأيام أنها غير واقعية، وذلك بأن هناك متغيرًا قد يحصل، حيث للأسف، سوف تنفلت الأمور رأسًا على عقب. على العكس من ذلك، لقد أصبح واضحاً ولاسيما بعد الضربة الكبيرة التي تلقتها إيران خلال الشهر الماضي من إسرائيل والولايات المتحدة، ولاسيما ولأنّ إيران كانت هي العون الأكبر، بل ربما الوحيد لحزب الله من كل الجوانب. فبالتالي، فقد آن الأوان ليدرك الجميع أن هناك مساراً كلما أسرعنا في سلوكه كلما قللنا المصاعب والأكلاف التي يتحملها لبنان واللبنانيون”.