الجوع يطرق أبواب المخيمات الفلسطينية في لبنان

beirut News10 يوليو 2025
الجوع يطرق أبواب المخيمات الفلسطينية في لبنان
تقرير خاص ـ بيروت نيوز

في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار محدقة نحو قضية السلاح الفلسطيني في لبنان، تصرف الأنظار بشكل مؤسف عن المعاناة الانسانية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين، وعن أوضاعهم الانسانية والاجتماعية.

وبصرف النظر عن البعد الأمني وقضية السلاح داخل المخيمات، إلا أن لا ملامح واضحة عن بحث جدي في القضايا الانسانية المختلفة التي تفاقمت بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية.

وإذا كان موضوع البحث هو القضايا الانسانية داخل المخيمات الفلسطينية، فحديثنا لا يتناول قضية السلاح الفلسطيني.

فقد أدت الانهيارات وتفاقم الأزمات الأمنية والاقتصادية في لبنان، وبعد سنوات طويلة من معاناة اللجوء والإفقار والحرمان، إلى تفاقم الأوضاع المعيشية، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة وحالات الضياع في صفوف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

وتؤكد تقارير المنظمات الحقوقية واللجان الشعبية الفلسطينية ووكالة “الأونروا” على أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون ظروفا إنسانية واجتماعية وأمنية هي الأكثر مأساوية منذ نكبتهم الأولى عام 1948.
ووفق التقارير والإحصائيات، لم يتعرض اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، لمثل حال الجوع والفقر والضياع والقلق الأمني التي يمرون بها اليوم منذ نكبتهم، فارتفاع نسبة الفقر والعوز والبطالة، وانتشار ظاهرة المخدرات والسلاح المتفلت وإطلاق النار العشوائي، وفقدان الأمل، التي يتعرضون لها اليوم، تفوق ما تعرضوا له في مراحل نكبتهم خلال العقود الماضية.

ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان المسجلين في سجلات “الأونروا” حوالي من 400 ألف، وقد هاجر العدد الكبير منهم لتؤكد تقارير رسمية لبنانية وفلسطينية أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين اليوم على أرض لبنان حوالي 174 ألف لاجئ، يعيش 62 في المئة منهم داخل 12 مخيما.

وبالرغم من أن اللاجئين الفلسطينيين ينفقون ما يجنونه وما يصلهم من أموال في الدورة الاقتصادية المحلية، إلاّ أنهم لا يحصلون على الحد الأدنى من الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية من ناحية، ومن ناحية أخرى لاعتبارات تتعلق بوكالة “الأونروا” وسياساتها التقشفية في الخدمات المقدّمة، ما ساهم في زيادة نسبة البطالة والفقر داخل المخيمات والتجمعات الفلسطينية.

ولا تعتبر الدولة اللبنانية اللاجئين الفلسطينيين، مواطنين رسميين لدولة أخرى، وبناء عليه هم غير قادرين على اكتساب الحقوق نفسها التي يتمتع بها الأجانب المقيمون في لبنان، الأمر الذي زاد من معاناتهم، حيث يعاني ثلثا هؤلاء، أي 160 ألف لاجئ من الفقر، فيما يعاني 20 في المئة منهم من الفقر المدقع، بمعنى أن مدخولهم اليومي يقل عن دولارين ونصف الدولار. ووفق معطيات وكالة “الأونروا” فإن ثلثي الشعب الفلسطيني في لبنان هم من الفقراء، أي إن سوق العمل شبه موصدة أمام قوة العمل الفلسطينية، ولهذا تصل نسبة البطالة بينهم في هذه المرحلة بعد انتشار كورونا إلى 90 في المئة بعد أن كانت قبلها نحو 65 في المئة، الأمر الذي يزيد الأعباء ويفاقم المشاكل على الأسر الفلسطينية اللاجئة في لبنان، وغياب مصادر الرزق والعيش الكريم.

لعل المفارقة أن الجميع يُجزم بأن وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، هو الأسوأ من بين لاجئي العالم. وأظهرت الدراسة المقدمة من “الأونروا” أن 21 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين العمال، يعملون في أشغال موسمية، فيما يعمل 7 في المئة منهم فقط وفقاً لعقود عمل قانونية. وهناك 3 في المئة من اللاجئين يعملون في أكثر من مهنة، إلا أن السبب الأساسي لتردّي أوضاع فلسطينيي لبنان هو عزلهم بما لا يسمح لهم بالانخراط في الحياة المدنية في البلاد، بالإضافة إلى إقفال أسواق العمل في وجوههم، وحرمانهم من الضمان الصحّي، على الرغم من أن العمال الفلسطينيين يقيمون في لبنان منذ فترة طويلة، يجري معاملتهم كأجانب. ففي عام 1994 على سبيل المثال، وضعت وزارة العمل بموجب المرسوم الوزاري رقم 17561 سياسة تُقصِر المهن في لبنان على المواطنين وقد حرمت تلك اللائحة الفلسطينيين من العمل في نحو سبعين فئة وظيفية.

وأمام هذا الواقع، يرزح اللاجئون الفلسطينيون في لبنان تحت أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة ومقلقة، وهذا ما برز في الآونة الأخيرة من خلال ارتفاع نسبة البطالة إلى معدلات قياسية، تعتبر في غاية الخطورة بالتزامن مع ارتفاع حاد في أسعار السلع الاستهلاكية وانهيار العملة اللبنانية، وحالة الانهيار العام التي يتعرض لها لبنان مع تصاعد أزماته السياسية والأمنية والمالية.

وتؤكد المنظمات الحقوقية الفلسطينية في تقرير لها، أن وضع اللاجئين، هو الأسوأ من بين لاجئي العالم بحيث تبلغ نسبة العاطلين عن العمل 90 في المئة من مجموع تعداد اللاجئين حسب الدراسة التي قدمتها “الأونروا” مؤخراً، ويعود السبب الأساسي لتردّي أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إلى عزلهم بما لا يسمح لهم بالانخراط في الحياة المدنية اللبنانية، بالإضافة إلى إقفال أسواق العمل في وجوههم، وحرمانهم من الضمان الصحّي وحق التملّك.

وفي ظل الظروف الصعبة التي يشهدها لبنان، والتي تفرض على وكالة “الأونروا” المسؤول المباشر عن إغاثة وتشغيل اللاجئين، إطلاق “برنامج طوارئ لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان” واعتبار الوضع الاقتصادي والاجتماعي كارثيا في ظل انسداد أفق الحل أو إطالة عمر الأزمة اللبنانية. وجاء انتشار فيروس كورونا، والخطر الداهم من تفشي الفيروس داخل مخيمات وتجمعات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ليزيد من صعوبة الحياة، في ظل غياب كلي لنظام صحي قادر على الاستجابة لتحديات الوباء المستجد. وبعد أكثر من اثنين وسبعين عاماً، من التهجير نتيجة آثار النكبة في عام 1948 ما زال لبنان من أكثر البلدان التي يعاني فيها اللاجئون الفلسطينيون من حرمانهم من أبسط حقوقهم.

لذلك، فالأوضاع داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان تزداد تعقيدا، والظروف العامة تزداد صعوبة، وتساهم في تعميم حالة اليأس والإحباط والهجرة غير الشرعية، فالفقر لم يعد يحتمل، وتردي الوضع الأمني والاجتماعي وتحويل المخيمات إلى بؤر للفساد والمخدرات أمرا لم يعد في مقدور اللاجئين تحمله.

استنادا لتقارير وبيانات وإحصائيات محلية وأممية، فإن الجوع يطرق أبواب اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وأقفلت أمامهم كل أبواب العمل والإنتاج، والمساعدات لا تكفي لهذه الفئة الأكثر تهميشا، صرخات تطلق مدوية وأرقام تنذر بالانهيار الشامل.


IMG 20250710 WA0099

المصدر خاص بيروت نيوز