الحرب الأهلية: القرار بيد مَنْ؟

beirut News9 أغسطس 2025
الحرب الأهلية: القرار بيد مَنْ؟


كتب طوني عيسى في” الجمهورية”: قد يختار “الحزب” مواجهة انتحارية، دفاعاً عن سلاحه حتى ولو أدّى ذلك إلى حرب أهلية. وهذا السيناريو مبني على افتراض أنّه لن يتنازل عن سلاحه أبداً، وأنّ أي محاولة لانتزاعه ستواجه بمقاومة عنيفة. ولكنه أيضاً قد يختار الرضوخ التدريجي، لكونه مهزوماً عسكرياً مقابل إسرائيل ومعزولاً داخلياً وخارجياً، خصوصاً أنّ سقوط نظام الأسد قد قطع عنه خطوط الإمداد الحيوية. ولذلك، هو لم يعد يمتلك القدرة على تنظيم عراضات قوة أو شن “حرب شوارع” كما كان يفعل في السابق. هذه المعطيات ترجح استبعاد الحرب الأهلية الشاملة، خصوصاً أنّ الجيش اللبناني ليس مستفرداً، بل يتلقّى تغطية أميركية قوية، ودعماً مباشراً يمنحه قدرات عسكرية واستخباراتية فعّالة لم تكن لديه في السابق. ومن جهة أخرى، لا تلقى الحرب الأهلية قبول أحد فيلبنان، حتى في المناطق المؤيّدة ل “الحزب”. لذلك، الأرجح هو وقوع مواجهات محدودة في مرحلة انتقالية تتخلّلها عمليات أمنية متقطعة واشتباكات في مناطق معينة، لكنها لا تتطور إلى حرب شاملة، وتوازيها مفاوضات لإيجاد مخرج يحفظ ل “الحزب” ماء الوجه،فيسلّم سلاحه إلى الدولة ويتحول كياناً “طبيعياً” داخل النظام السياسي اللبناني.


Advertisement

]]>

لكن جوهر المسألة يكمن في مكان آخر. فلبنان لطالما كان ساحة نزاع مفتوحة للقوى الإقليمية والدولية. وحتى الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 1975 لم تكن مجرد نزاع داخلي، بل كانت انعكاساً للنزاع العربي الإسرائيلي، والنزاع بين الأنظمة العربية، والتنافس بين القوى العظمى في زمن الحرب الباردة. وهذا يعني اليوم أنّ اندلاع حرب أهلية في لبنان هو بالفعل قرار إقليمي ودولي وليس قراراً بسيطاً تتخذه القوى المحلية اللبنانية. بالنسبة إلى إيران، يمثل “حزب الله” أداة استراتيجية رئيسية لتوسيع نفوذها في المنطقة ومواجهة إسرائيل. والدعم المالي والعسكري الذي تقدّمه إليه يجعله قوة عسكرية وسياسية لا يمكن تجاهلها. وهذا الدعم يعني أنّ قراره بالقتال أو التراجع لا يمكن أن يكون بمعزلعن الإرادة الإيرانية.
 
في المقابل، تعتبر إسرائيل “حزب الله” تهديداً مباشراً لأمنها. وهي تحاول إضعافه بضرباتها العسكرية المتواصلة. لكن هذه الضربات قد تكون أيضاً جزءاً من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل الحدود الإقليمية. وأما الولايات المتحدة فتسعى إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة، لكنها أيضاً تريد تقويض نفوذ إيران وحلفائها. ويندرج دعمها للجيش اللبناني في سياق نزع سلاح”الحزب” وتدعيم سلطة الدولة. لذلك، لا دور حقيقياً للقوى الداخلية في مسألة وقوع الحرب الأهلية أو عدم وقوعها. فقرار الحرب والسلم في لبنان يعتمد أساساً على حسابات القوى الخارجية. وفي عبارة أوضح، الحرب الأهلية رهن بالسؤال الآتي: هل هناك مخطط إقليمي لتفجير لبنان، ومعه تفجير كيانات أخرى في الشرق الأوسط لإقامة كيانات على أنقاضها، وفق أسس طائفية أو مذهبية أو عرقية؟
وإذا كان هناك فعلاً مخطط إقليمي لتفكيك الكيانات، فإنّ لبنان قد يكون الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للتفجير. فتركيبته الطائفية الهشة، ووجود قوة مسلحة خارج سيطرة الدولة، يجعلانه مرشحاً مثالياً لهذا السيناريو. وإذا كان هذا التصور في محله، فالأزمة الحالية في لبنان لن تكون في الواقع سوى رأس جبل الجليد، أيجزءاً من سيناريو أكبر بكثير. وقرار الحكومة بنزع سلاح “حزب الله” قد يكون محاولة لتدعيم الدولة ومنع هذا السيناريو، ولكن، يمكن استخدامه شرارة لتفجير الوضع إذا رفض “الحزب”الرضوخ. وهنا يكمن التحدّي الحقيقي بين التفجير والتسوياتالتي يمكن التوصل إليها بالتفاوض، كما يحدث تاريخياً في لبنان، حيث تنتهي الحروب بتسويات يرعاها الخارج، ك “إتفاق الطائف”.وما يحدث الآن ليس مجرد نزاع داخلي، بل هو انعكاس للتجاذبات الإقليمية والدولية. ولذلك، لن يتحدّد مستقبل لبنان في بيروت، بل في عواصم إقليمية ودولية أخرى. وهذه العواصم ستقرّر أين هي مصالحها: في الاستقرار والتسويات أم في الفوضى والتفجير؟