لا يزال ملف “حصر السلاح بيد الدولة”، أو بكلام أوضح، “سحب سلاح حزب الله”، الشغل الشاغل للبنانيين هذه الأيام، بعدما أشعل الاشتباك السياسي، أو بالحدّ الأدنى رفع سقف الخطاب على كلّ المستويات، سواء داخل “حزب الله” الذي كثّف مسؤولوه إطلالاتهم الإعلامية لإيصال رسالة واحدة عنوانها أنّ السلاح “خط أحمر” لا يجوز المسّ به، أو على مستوى خصومه الذين يعتبر كثيرون أنّهم يستغلّون الأمر لتسجيل النقاط على الحزب.
Advertisement
]]>
وبين هؤلاء وأولئك، يقف “التيار الوطني الحر”، الحليف السابق لـ”حزب الله” الذي افترق عنه في مرحلة الانتخابات الرئاسية، بعد تبنّي الأخير لترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ليتّسع الشرخ مع “حرب الإسناد”، التي كان “التيار” من معارضيها، جنبًا إلى جنب خصوم الحزب التقليديين، قبل أن يصل إلى الذروة مع انخراط الحزب في “التسوية الرئاسية”، ومن ثمّ دخوله إلى الحكومة التي أخرِج منها “العونيون” عنوةً.
رغم ذلك، لم ينقطع التواصل بين الجانبين، فكان الرئيس السابق ميشال عون والنائب جبران باسيل، من أول السياسيين الذين زارهم “حزب الله” في سياق الجولة التي يقوم بها على الفرقاء “القريبين منه” في محاولة لتوضيح موقفه، وربما إعادة ترتيب التحالفات، فأين يقف “التيار” عمليًا من السجال الحالي حول السلاح، علمًا أنّ موقفًا لافتًا صدر عن باسيل بعيد جلسة الحكومة الخميس الماضي، اختصره بعبارة “عيب”؟!
“التيار” يؤيد المبدأ؟
صحيح أنّ “التيار الوطني الحر” كان حليفًا ثابتًا لـ”حزب الله” منذ إبرامه تفاهم مار مخايل وحتى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وتحوّل في وقتٍ من الأوقات إلى “الداعم الأول” لسلاحه، بل برأي بعض خصومه إلى “الغطاء المسيحيّ” له، إلا أنّ المقرّبين منه يؤكدون أنّه لم يتخلَّ يومًا عن موقفه “المبدئي” الذي يؤكد على ضرورة أن يكون السلاح تحت سلطة الدولة وحدها، مستندًا إلى الدستور اللبناني الذي ينص على سيادة الدولة في كل شؤونها الأمنية.
مع ذلك، يقول هؤلاء إنّ ما بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة ليس كما قبلها، إذ أصبح واضحًا الآن أنّ حالة “الازدواجية” الأمنية لم تعد خيارًا متاحًا، وإنّ المطلوب اليوم تسليم السلاح إلى الدولة، علمًا أنّ باسيل لم يقل هذا الكلام فقط خلال اجتماعاته المغلقة مع الحزب، ولكن في العلن، بل كان من أوائل من دعوا الحزب إلى الانخراط في مشروع بناء الدولة وتسليم السلاح إلى الدولة، وذلك قبل أن يبدأ أيّ “مسار جدّي” على هذا الخط.
ومع أنّ “التيار” يوافق “حزب الله” على أنّ المطلوب من الدولة الضغط بشكل مكثّف من أجل “إلزام” إسرائيل بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أنّه يعتبر أنّ هذا الضغط يفترض أن يتمّ بالأدوات الدبلوماسية والسياسية، فالسلاح لم يعد يمتلك قوة الردع السابقة، سواء على مستوى الداخل اللبناني، أو حتى على مستوى ما يُعرَف بـ”محور المقاومة”، وهو ما ثبت في مرحلة الحرب، وما بعد الحرب، وصولاً إلى الحرب الأخيرة على إيران.
انتقادات منهجية لطريقة إدارة الملف
لكن، على الرغم من تأييده المبدئي لفكرة حصر السلاح بيد الدولة، يعبر “التيار الوطني الحر” عن تحفظات واضحة على الطريقة التي تم اعتمادها في التعامل مع الملف، والتي يرى أنّها تستند إلى فرض خارجي وغير متوافق عليه داخليًا. ومن هنا، جاء الموقف الواضح لرئيس “التيار” من جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، التي ناقشت فيها الحكومة “ورقة أميركية” وتبنّتها، من دون أيّ حرج، في أن تكون الورقة “أميركية” أساسًا.
من هنا، يرى “التيار” أن معالجة هذه القضية المفصلية يجب أن تتم عبر ورقة لبنانية وطنية جامعة تضمن توافق جميع الأطراف وتراعي خصوصيات المرحلة، بعيدًا عن الوصاية الخارجية أو الخطابات السياسية المتشنجة. وهو استنادًا إلى ذلك، يرفض أيضًا الاستراتيجية التي تتجه إلى الاستقواء السياسي على “حزب الله”، وهو ما يمارسه بعض مكوّنات الحكومة، التي يفترض أنها تجمعهم تحت سقف واحد.
أكثر من ذلك، يؤكد “التيار” أن مقاربة الملف الأمنية والسياسية لا يمكن أن تنجح إلا عبر حوار شامل ومسؤول مع “حزب الله”، لا عبر محاصرة أو استثناء الحزب من أي تفاهمات. وهو في ضوء ذلك، يؤكد ضرورة فتح نقاش وطني شامل يضم كل الأطراف، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، تعيد الأمور إلى نصابها، وتفكك العقد المتشابكة في ملف السلاح، منعًا لتحوّلها إلى سبب لصدام لا طائل منه في هذه المرحلة.
يبقى موقف “التيار الوطني الحر” من حصر السلاح بيد الدولة معبرًا عن توازن دقيق بين تمسك المبدأ الوطني ورفض الأساليب الأحادية التي قد تزيد الانقسام، وبالتالي يبدو ميّالاً للدعوة إلى الحوار بعيدًا عن فرضيات الاستقواء والتدويل. قد يرى خصوم “التيار” أنّه بمثل هذا الموقف “المتذبذب”، يحاول أن يساير الحزب على حساب السيادة الوطنية، على أبواب انتخابات نيابية قد لا يجد فيها حليفًا غيره، لكن ثمّة من يسأل، هل هناك خيارات عملية أخرى؟!