يعيش لبنان اليوم على وقع مسارين يتسابقان في رسم مستقبله السياسي والأمني. المسار الأول يتمثل في التصعيد الواضح الذي يلوح في الأفق، حيث يظهر موقف حزب الله حاسمًا في رفض أي محاولة للذهاب نحو خيار سحب السلاح، خصوصًا إذا تحولت الحكومة إلى الإطار التنفيذي في هذا الملف. هذا الموقف يترافق مع ضغوط سعودية وأميركية متزايدة، حيث يصر الطرفان على أنّ أي استقرار في لبنان لا يمكن أن يتحقق من دون معالجة ملف السلاح بشكل جذري، ما يجعل المواجهة مفتوحة على احتمالات واسعة.
في المقابل، يبرز المسار الثاني وهو مسار التسوية المحتملة بين إيران والولايات المتحدة. ورغم أن المؤشرات العلنية على تقدم هذا المسار لا تزال غائبة، إلا أن بعض الخبراء يرون أن التسوية قد تكون أقرب مما يتوقع الكثيرون.
القناعة الأميركية تتجه إلى أن أي انسحاب أو تقليص للدور الأميركي في المنطقة بعد رسم معالم التسوية لا يمكن أن يتم من دون إشراك إيران كشريك أساسي في الترتيبات الجديدة، وهو ما يضع لبنان في صلب هذه الحسابات.
لكن هذه الصورة ليست بسيطة. السعودية، التي تطمح لأن تكون اللاعب الأبرز في لبنان والمنطقة بعد تراجع الدور السوري، لا تبدو مستعدة للقبول بتسوية كبيرة أميركية – إيرانية قد تقلص من نفوذها .
من هنا، فإن الرياض تضغط باتجاه تكريس حضورها السياسي والاقتصادي والإقليمي بما يتعارض مع أي صيغة تسوية تضع طهران في موقع متقدم.
إلى جانب ذلك، هناك أطراف لبنانية داخلية معارضة للحزب لا ترى في أي تسوية بين واشنطن وطهران مصلحة لها، بل تعتبر أن مثل هذه الصفقة ستمنح الحزب قوة إضافية وتثبّت معادلة السلاح التي تعمل منذ سنوات على إضعافها. هؤلاء يشكلون عامل ضغط آخر يزيد من تعقيد المشهد الداخلي، إذ يخشون أن تترجم أي تسوية إقليمية على حساب توازناتهم المحلية.
ما يجعل المرحلة المقبلة أكثر حساسية هو تداخل هذه المسارات وتشابك الحسابات الإقليمية والدولية مع التوازنات الداخلية اللبنانية. فلبنان ليس مجرد ساحة جانبية، بل نقطة تقاطع لمصالح متعارضة بين قوى كبرى.
التصعيد المحتمل من جهة، والتسوية الممكنة من جهة أخرى، يضعان البلاد أمام اختبار وجودي سيستمر على الأقل حتى نهاية العام الحالي، حيث يرجح أن تكون الأشهر المقبلة مليئة بالمفاجآت والضغوط المتبادلة.
بهذا المعنى، يبدو لبنان اليوم عالقًا بين خيارين: مواجهة مفتوحة قد تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، أو تسوية كبرى قد تضع البلاد على مسار مختلف، لكن ليس بالضرورة أكثر استقرارًا. الأكيد أن المرحلة المقبلة لن تكون سهلة، وأن لبنان سيبقى رهينة هذا السباق بين التصعيد والتسوية حتى تتضح ملامح التوازنات النهائية.