مناورة نهائية أم بداية نهاية الدور الأممي جنوبًا؟

beirut News21 أغسطس 2025
مناورة نهائية أم بداية نهاية الدور الأممي جنوبًا؟


 
بصمتٍ ثقيل، يُخيّم استحقاق التمديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفل) على طاولة مجلس الأمن، وسط مؤشرات غير مسبوقة توحي بأنّ مهام هذه القوات تقترب من خواتيمها، أو على الأقل من تحوّلات جذرية تعيد صياغة وجودها. فعلى وقع الدعوات الأميركية والإسرائيلية المتكررة لإنهاء مهمتها، يبدو أنّ القرار الدولي بات يتّجه نحو مقاربة مختلفة للوجود الأممي جنوبًا، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبل القرار 1701، ودور لبنان في هذا التحوّل.



Advertisement

]]>






 
في هذا السياق، تتحدث تقارير دبلوماسية عن شبه توافق غير معلن بين الولايات المتحدة وفرنسا، الراعية السياسية لتجديد مهمة اليونيفيل سنويًا، على أن يكون التمديد المرتقب نهاية الشهر الجاري، هو التمديد “الأخير”، تمهيدًا لخطة انسحاب تدريجي على مدى 18 شهرًا، تنتهي عمليًا بحلول مطلع 2027. وتشير المعلومات إلى أن هذا الاتجاه، إن تبلور بوضوح قبل نهاية الشهر، يتيح تجنّب أي فراغ أمني مفاجئ في الجنوب، ويحفظ ماء وجه بعثة الأمم المتحدة سياسيًا.
 
وعليه، فإنّ القرار المرتقب في مجلس الأمن لن يكون نسخة مكرّرة عن تمديدات السنوات السابقة، بل خطوة تأسيسية لمعادلة جديدة، تأخذ في الاعتبار مآلات الحرب الدائرة في غزة منذ تشرين الأول 2023، وما ترتّب عليها لبنانيًا، وما رافقه من استهداف متكرّر لدوريات اليونيفيل وتقييد متصاعد لحركتها، سواء بفعل الواقع الأمني أو بضغط من البيئة المحلية، التي باتت تعتبرها، أكثر من أي وقت مضى، شاهدًا صامتًا على الانتهاكات الإسرائيلية.
 
أهداف أميركية وإسرائيلية واضحة
 
بالنسبة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، لم تعد قوات اليونيفيل تؤدي الدور المطلوب منها. فبعد 17 عامًا على صدور القرار 1701، وبدل أن تؤدي البعثة إلى نزع فتيل التوتر جنوبًا وضبط الحدود، لم تُحقّق – بحسب رواية تل أبيب وواشنطن – أي نتائج ملموسة في منع “تمدد حزب الله” ميدانيًا، لا سيما في المناطق الحدودية. بل أكثر من ذلك، باتت اليونيفيل، في نظر إسرائيل، “غطاءً غير مباشر” لأنشطة الحزب، بما أنها تُمنع من الدخول إلى بعض المناطق، وتتعرّض للتقييد أو العرقلة من دون قدرة على فرض أي صلاحيات.
 
وفي حين يدعو الأميركيون إلى ضرورة “إعادة النظر” في طريقة عمل اليونيفيل، إن لم يكن إنهاؤها، تحاول باريس، ومعها بعض الدول الأوروبية المشاركة في البعثة الدولية، تجنّب قرار مفاجئ بإنهاء المهمة، لما لذلك من تداعيات ميدانية وديبلوماسية خطيرة، قد تفتح المجال أمام تصعيد غير محسوب على الحدود الجنوبية، خصوصًا أنّ الأجهزة الأمنية اللبنانية لا تبدو جاهزة حتى الآن لوجستيًا وأمنيًا لملء الفراغ الذي يمكن أن تتركه اليونيفيل.
 
وتحدّثت المعلومات في هذا الإطار عن “حل وسط” تمّ التوصل إليه بين الأميركيين والفرنسيّين، يراعي إلى حدّ ما مطالب الولايات المتحدة، بالإشارة إلى وجود “نية” لإنهاء مهام اليونيفيل “بهدف جعل الحكومة اللبنانية الضامن الوحيد للأمن في جنوب لبنان، شريطة أن تسيطر حكومة لبنان سيطرة كاملة على كل الأراضي اللبنانية”، وإن لم ينصّ مشروع القرار وفق المعطيات المتوافرة والتسريبات، على جدول زمني واضح، يحدّد موعدًا نهائيًا لإنجاز المهمّة.
 
ما بعد اليونيفيل… من يملأ الفراغ؟
 
ليس سرًا أنّ لبنان الرسمي يخوض “معركة” بقاء قوات اليونيفيل، وهو متوجّس من قرار قد يؤدي إلى انسحابها، وقد عبّر رئيس الجمهورية جوزاف عون عن هذا الموقف حين أكد خلال لقائه قائد “اليونيفيل”، اللواء ديوداتو أباغنارا تمسك لبنان ببقاء قوات “اليونيفيل” حتى تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته، واستكمال انتشار الجيش إلى الحدود الدولية. وكذلك فعل رئيس الحكومة نواف سلام حين أكد للموفد الأميركي توم برّاك، على أهمية التجديد لقوات اليونيفيل نظرًا لدورها في ترسيخ الاستقرار ومساندة الجيش في بسط سلطة الدولة في الجنوب.
 
لكن، في حال تمّ التوافق على خطة الـ18 شهرًا، فإنّ السؤال الأكثر إلحاحًا سيصبح: من يملأ الفراغ الذي ستتركه اليونيفيل؟ وهل سيُسلّم القرار 1701 عمليًا إلى الجيش اللبناني الذي سيكون هو المرجعية الوحيدة في الجنوب؟ ثمّة من يرى أنّ الظروف بعد 18 شهرًا لن تكون نفسها اليوم، خصوصًا في ظلّ الاستحقاقات والمعارك الكبرى التي تمّ فتحها، وعلى رأسها سحب السلاح، ما يعني أنّ دور اليونيفيل بحد ذاته قد يصبح خارج السياق.
 
غير أنّ هناك من يخشى في المقابل، أن يُفهَم أيّ قرار أممي بسحب قوات اليونيفيل وكأنه “تحرير لإسرائيل” من أي التزام دولي، ما يفتح الباب أمام تصعيد دائم ومفتوح، في ظلّ فقدان آلية “الاحتواء الدبلوماسي” التي لطالما لعبتها الأمم المتحدة، عبر تقاريرها وتواصلها مع الطرفين. وبالتالي، فإنّ غياب اليونيفيل لن يكون فقط مسألة “إدارية”، بل تطوّر استراتيجي يعيد رسم قواعد الاشتباك في الجنوب، بمعزل عن المآلات التي يمكن أن تصل إليها معركة السلاح، التي لا تزال ثغرتها الكبرى تتمثل في غياب الضمانات الإسرائيلية على خطّها.
 
يبدو واضحًا أنّ التمديد المرتقب لليونيفيل نهاية آب الجاري، ليس سوى مرحلة انتقالية تمهّد لتحوّل جذري في مهام البعثة، وربما في مصيرها الكامل. وبين واقع الجنوب المتحوّل منذ الحرب الأخيرة، والتغييرات في موقف الدول الكبرى، والانقسام اللبناني الداخلي، يتحوّل ملف اليونيفيل من أداة سلام إلى نقطة اشتباك سياسي وأمني. وما كان يُعتبر “مسلمة دولية” قبل سنوات، بات اليوم موضوع مراجعة، قد تفضي إلى انسحاب جديد من جنوب لبنان، لكن هذه المرة… تحت مظلة الأمم المتحدة.