كتبت نورما ابو زيد في”نداءالوطن”: كما لم يفعل زعيم لطائفته من قبل، شيّد الأمين العام السابق لـ “حزب الله”، السيّد حسن نصراللّه، هرمًا شاهقًا من النفوذ والهيبة والقوة والقدرة، حجرًا فوق حجر، بصبر البنّاء وبراعة المعلّم، حتى بدا البِناء المعْلم الأبرز، وبدا البنّاء المُعلِّم الأبرع.
بناءً على القوّة التي بناها “حزب اللّه”، ليس مستغربًا أن يجد صعوبة في تقبّل ما آل إليه، ولا أن يتعثّر في التكيّف مع واقعٍ انقلب عليه. فـ “الحزب” الذي لطالما أملى ولم يُملَ عليه، وتقدّم الصفوف ولم يكن على هوامشها، دار الزمن دورةً كاملة عليه. غاب “أمينه”، سقط قادته، ضُرب في صميم عمقه الأمني والسياسي، وفُرضت عليه عودة قسرية من مغامرته الإقليمية، مثقلًا بما خسر لا بما كسب. واليوم وبعد انكفائه إلى الداخل، يُطلب إليه أن يخلع بزّته العسكرية، أن يتخلّى عن نجومه، أن يطوي صفحة ترسانته، وأن ينخرط في الحياة السياسية كحزب لبناني عادي، لا يملك حقّ صناعة الحروب، ولا حقّ صناعة الرؤساء، ولا حقّ صناعة الحكومات، ولا حتّى حقّ الفيتو على ما لا يشبهه وما لا يتوافق مع رؤيته. يُطلب منه أن يجلس إلى الطاولة لا على رأسها، شريكًا عاديًا بين شركاء لا مرجعية، وطرفًا لا وصيًا مقرّرًا. في حسابات “حزب اللّه”، كانت سوريا بوّابته الواسعة نحو بغداد وصنعاء، وكانت صنعاء نافذته المفتوحة على الخليج. أُسقِط الأسد. أوصدت تلك البوّابة. وتحوّلت النافذة إلى جدارٍ مغلق. وإذا كان “حزب اللّه” مضطرًا، بحكم تبدّل المعادلات، إلى أن يستسلم لمشيئة أحمد الشرع في سوريا بعد سقوط بشار الأسد، فهل يرضى لبنانيًا، أن يخضع لمنطق التوازن بين منزوعي السلاح، وهو الذي لا يزال يمتلك فائض السلاح داخليًا؟
الجواب الرفضي واضح وضوح السلاح. صحيحٌ أنّ الشيخ نعيم قاسم لا يملك عضلات السيد حسن نصراللّه الصوتية، ولا بلاغته الخطابية، ولا حضوره الاستعراضي أو قدراته الإقناعية، ولكنّه يملك الموقع نفسه والموقف نفسه. فماذا ستفعل الحكومة، إذا قرّر “حزب اللّه” التمسّك بـ “لاءاته”؟ وأيّ أدوات تملكها الدولة في وجه هذا الاحتمال؟
سؤالان معلّقان بلا جوابين خارج إطار البهورات الشعبوية، فيما الإجابة الرسمية لا تبدو سهلة، لا لشيء، بل لأنّ الحكومة التي يُفترض أن تُنهي مظاهر السلاح خارج شرعيتها، لديها نقص في القدرة، وضيق في الحيلة، في هذا الملفّ الذي يتجاوز طاقتها السياسية ويفوق قدرتها العسكرية، ويقع خارج حدود الممكن، رغم فائض الإرادة. وما بين مراكز القرار السياسي والكواليس الأمنية، يجري تداول عدّة سيناريوات يُرجّحها ضبّاط رفيعو المستوى، رغم انكباب قيادة الجيش على تدبيج خطّة لحصر السلاح.
من بين السيناريوات المطروحة:
ـ احتمال اندلاع مواجهة مباشرة بين الجيش و “حزب اللّه”، وهو سيناريو مُدرج في خانة المكروه والمستبعد، لما يحمله من تداعيات بالغة الخطورة.
ـ مواجهة محتملة مع البيئة الحاضنة لـ “الحزب”، وسط مخاوف من أن يُقدم “الحزب” على تحصين مستودعاته بالعوائق البشرية، وخصوصًا النساء والأطفال.
ـ اللجوء إلى مشهد تفجير المستودعات، كأداة لتصعيد التوتّر.
ـ تنفيذ عمليات اغتيال نوعية، توظّف كأوراق ضغط ميدانية.
ـ أمّا السيناريو الأسوأ والأخطر، فيتمثّل بضوء أخضر دولي لكمّاشة نتنياهو ـ الشرع، بما يفتح الباب أمام تطوّرات غير محسوبة النتائج.
فأيّ مسار سيختار “حزب اللّه”؟ وهل سيمشي السلاح إلى الدولة، أم تمشي الدولة إلى حافة السلاح؟
يقول المصدر إنّ “الحزب” اليوم أمام احتمالين:
ـ أن تسلّمه إيران لأميركا، وتطلب منه تسليم السلاح. حينها، يقايض “الملالي” السلاح باتّفاق.
ـ أن يواصل المناورة، ريثما يتمّ إنتاج صيغة “طائف شيعي” لتسليم السلاح. في هذه الصيغة، يقدّم “الحزب” سلاحه، مقابل تقدّمه على الآخرين بفائض من الصلاحيات والامتيازات، داخل دولة لا يزال عقلها العميق مسيحيًا ـ مارونيًا، رغم كسر المسيحيين في الطائف الأوّل.
يقول مصدر نيابي بحزم، أنّه تحت الركام، مشروع يتربّص بلحظة انتعاش. وهناك طرف حديث جدّي يدور مع الأميركي حول تقريش السلاح إلى صلاحيات.
ويضيف المصدر: في “الطائف الأوّل” خرج المسيحيون مكسورين. أمّا في “الطائف الثاني”، فيتحوّلون إلى هنود حمر، رغم أنّ مشروع حصر السلاح واستعادة الدولة هو مشروعهم الأساس، وهمّهم الأول. المفارقة المرّة: تعود الدولة، وهم يرحلون أو يُرحّلون.