الجلسة الحكومية تحت سقف العدوان والوصاية الدولية!

beirut News4 سبتمبر 2025
الجلسة الحكومية تحت سقف العدوان والوصاية الدولية!


على وقع الضغوط الخارجية المتزايدة والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، يستعد لبنان لجلسة حكومية يوم الجمعة المُقبل خُصصت لبحث خطة الجيش في ما يتعلق بملف حصرية السلاح. غير أنّ هذه الجلسة لا تبدو نتاج توافق داخلي، بل ثمرة إصرار دولي على دفع البلاد نحو مسار يرتبط مباشرة بمطلب نزع سلاح “حزب الله”، في وقت ترفض فيه إسرائيل الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة وتواصل خروقاتها وعدوانها المتكرر.








هذا المسار المليء بالتناقضات ظهر جلياً في اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية جوزاف عون برئيس الحكومة نواف سلام، إذ خرج الاجتماع من دون أي نتائج عملية، ليؤكد عمق الهوّة بين الرجلين في طريقة التعاطي مع الملف. فمن جهة، يتعامل عون مع القضية بميزان دقيق، محذّراً من أي خطوات متسرعة قد تُفجّر الداخل إذا فُرضت بلا غطاء سياسي، في حين يمضي سلام بعكس هذا النهج، متمسّكاً بخط تصعيدي حتى نهايته، وكأنّ الكلفة المحتملة، مهما بلغت، لا تشكّل بالنسبة إليه سبباً للتراجع.

موقف “الثنائي” حيال الجلسة المقبلة ما زال معلقاً، لكنّ المعطيات تشير إلى أنّ أي إصرار حكومي على السير بخطة السلاح سيضع العلاقة مع “الحزب” أمام اختبار غير مسبوق. فالمسألة لا تتعلق بحضور شكلي، بل ترتبط بكيفية تفاعل “حزب الله” مع الدولة إذا قررت الأخيرة انتهاج خيار القوة والدخول في مواجهة مباشرة. وبذلك، يتجاوز النقاش حدود المشاركة أو المقاطعة، ليصبح مؤشراً على اتجاهات المرحلة المقبلة: إما بقاء خطوط التواصل مفتوحة بما يسمح بامتصاص الضغوط، أو انزلاق الأمور نحو قطيعة تعمّق الشرخ الداخلي وتترك الميدان مكشوفاً أمام احتمالات أكثر خطورة.

وفي موازاة ذلك، تثير السلطة علامات استفهام أعمق بتجاهلها شبه التام للاعتداءات الإسرائيلية، فمع استمرار الغارات الاسرائيلية تغيب حتى المواقف الرمزية؛ لا بيان استنكار ولا تحرّك لدى الأمم المتحدة، الأمر الذي يجعل هذا الصمت أكثر من مجرد تقصير، بل يمثل تعبيراً عن انكفاء سياسي يوازي في خطورته الضغوط الخارجية نفسها، لأنه يحوّل مسألة السيادة من قضية وطنية إلى ملف معلّق بلا دفاع فعلي.

وفي مقابل هذا الانكفاء الرسمي، يتنامى خطاب خصوم “حزب الله” على نحو تصعيدي لافت. “فالقوات اللبنانية”، التي تضع الاستقرار الداخلي في مرتبة ثانوية، ترفع منسوب تحدّيها عبر تصريحات مسؤوليها، بحيث يظهر وكأنها تسعى إلى جرّ البلاد نحو مواجهة مفتوحة، ولو على حساب السلم الأهلي، إذ لم يقتصر الأمر مؤخراً على سجالات إعلامية أو مواقف سياسية، بل بلغ حدّ مطالبة أحد نوابها، الجيش بمحاصرة “الحزب” والإطباق على مناطقه، في دعوة تنطوي على نزعة صدامية خطيرة. ذلك أنّ إدخال المؤسسة العسكرية في مواجهة مباشرة مع شريحة واسعة من اللبنانيين لا يعبّر فقط عن مقامرة سياسية، بل يكشف أيضاً مشروعاً يتقاطع مع الرغبة الخارجية في تحويل الجيش إلى أداة ضغط داخلي بدلاً من أن يكون قوة حماية في وجه الاعتداءات. وبذلك، يتحول الخطاب المعارض من موقع الاختلاف السياسي إلى موقع التحريض الذي يهدّد بتفجير الداخل في لحظة يواصل فيها العدو اعتداءاته من دون رادع.

هذا التصعيد الداخلي تزامن مع غارات إسرائيلية سبقت موعد الجلسة بأيام قليلة، في مشهد لا يخلو من الرسائل المباشرة. فالعدو بدا وكأنه يواكب النقاش الدائر حول السلاح بوسائله الخاصة، ليُذكّر بأنّ التهديد الحقيقي يبقى من الخارج. ومع ذلك، لا تُظهر الحكومة أي استعداد لجعل الدفاع عن البلد بندها الأول في جلستها المرتقبة، بل تتهيأ للانشغال بخطة مستوحاة من الورقة الأميركية، وهكذا يصبح المشهد مقلوباً: اسرائيل تواصل عدوانها بلا رادع، فيما الجهد الرسمي موجّه إلى إعادة ترتيب الداخل وفق إملاءات لا تمتّ إلى حماية السيادة بصلة.

وفي هذا السياق، يبرز التناقض مع المواقف التي سبق أن أعلنها رئيس الحكومة نفسه، حين استند في مطلع آب إلى ميثاق الأمم المتحدة للتشديد على حق لبنان في الدفاع عن النفس. وإذا كانت قيادة الجيش ستشارك في الجلسة الحكومية، فإنّ السؤال الجوهري يتمثل في ما إذا كانت السلطة ستترجم ذلك المبدأ إلى قرار عملي يتيح للجيش مواجهة الاعتداءات، أم أنّ الشعار سيبقى حبراً على ورق، فيما تُقاد البلاد إلى مسار مرسوم خارجياً يتجاهل حقيقة الخطر الإسرائيلي المستمر.

خلاصة المشهد أنّ لبنان يدخل مرحلة دقيقة حيث يتقاطع الضغط الدولي مع الانقسام الداخلي، وتغيب الدولة عن ممارسة دورها في مواجهة العدوان. وفي ظل هذا المسار، يصبح السؤال أبعد من النقاش حول جلسة بعينها، ليطال جوهر الكيان: كيف يمكن الحفاظ على توازن يحمي السيادة من دون أن يتحوّل الداخل إلى ساحة مكشوفة أمام الخارج؟