زياد عيتاني.. يحقق ثـأره

26 نوفمبر 2018

لم يكتشف المشاهدون مسرحية “ما طلت كوليت”، ليلة أمس، في “مترو المدينة”، فالمسرحية بخطوطها العريضة معلومة لدى الحضور، وهم لم يأتوا هذه المرة ليشاهدوا “نجم الطريق الجديدة” وهو يجسد شخصيات لبنانية نصادفها يومياً في شوارع بيروت، هم أتوا ليشاهدوا “زياد” يتحدث عن “زياد”،ليشاهدوا “العيتاني” الذي انتقل من أضواء الشهرة إلى أضواء التشهير ليل 23 تشرين الثاني 2017، ليعايشوا تلك اللحظات التي كان زياد يمررها في تدوينات فيسبوكية ولقاءات صحافية، ولكن الكتابة شيء، والقول شيء، والتجسيد شيء آخر!

في “وما طلّت كوليت” جسّد “زياد عيتاني”.. “زياد عيتاني”، على مدى ساعة ونصف، مسرحية بـ”رسائل” مبطنة، لتغلق الستارة النهائية على عبارة “دولة مدنية”، وكيف لا يطالب زياد بالدولة المدنية وهو الذي سقط ضحية السلطة والتسلط، ضحية النفوذ، والطائفة “الي حاطين حطاطها” على حد تعبيره في المسرح!

المسرحية في عرضها الأوّل لم تكن محاكاة بين جمهور ومجموعة من الممثلين، لم يكن هناك أساساً من “جمهور” أو من “أداء”، كان هناك أشخاصاً عرفوا زياد، صدقوا زياد، اعتذروا من زياد، وأرادوا أن يشاركوه لحظة العودة إلى “الأضواء”، النظرات التي كانت تتقاطع كلّ المسرحية بين زياد ومشاهديه، التفاعل، الابتسامات الخفية، الهمس، كلّ هذا قال الكثير.. وأسقط الرهبة المعتادة للمسارح الخشبية، فزياد في “تجاوز الخشب، المسرح تحوّل إلى “لحم” و”دم” يشارك العيتاني الذي اختار لشخصيته اسم “فوزي فوزي نجم” ومهنة عامل “الديليفيري”. المسرح شاركه لحظات التحقيق، الكف الأوّل، الانحناء، الإهانة، التهديد، وبطش “الست”!

مسرحية “زياد العيتاني” التي وافقت عليها الرقابة في انتصار لافت لحرية الرأي والتعبير، لمظلومية إنسان، انتقدت بـ “لذاعة” جهاز أمن الدولة، جرّدته من هيبته، فالضابط بأركيلته كان طيلة الوقت يسجل الاعترافات الخرافية بالعمالة وما هي إلا لحظات حتى يسجل نقيضها على وقع الكرباج، اسم كوليت كان “كوزيت” بطلة “البؤساء” هكذا أعلن اسم المشغلة زياد إلا أنّ الضابط سمعها كوليت فولدت كوليت وكبرت كوليت وتسابقت الصحف في اكتشاف مفاتن كوليت.
أما المحقق “القبضاي” فكان نموذجاً مسرحياً أقرب إلى السذاجة. فيما “المخبر” هو ابن المنطقة، ابن الطريق الجديدة، ولقبه في المسرحية “زعتر” ويعرفه الفنان المسرحي جيداً.

لم يصمت الألم في داخل زياد طيلة، كشف على العلن عن “طلاقه” – ربما للمرة الأولى – معللاً أنّ زوجته لم تحتمل ربما الضغوطات، كشف عن اتصاله الأوّل مع والدته بعد ما يقارب الشهرين على توقيفه، وكيف بكى، وكيف قالت له “فيك شي لـ (الله)، رح ترجع”.
نقل زياد العرض الذي تلقاه من أحد “أزلام” الست، والقاضي الذي استمع لأقواله وعلم أنّ كل ما ورد في التحقيقات الأولية لا يمت بالحقيقة بصلة. حملنا زياد أيضاً إلى ذكرياته مع والدته والتي أنعشها التعذيب والظلم، وأعادنا إلى الموسيقى إلى “الأعواد” التي يصلحها أبيه الذي كان يأبى رؤية آلة موسيقية لا تعمل، فغنّى “العيتاني” غنّى وجعه، غنّى زنزانته، وغنّى لكثر بينهم بليغ حمدي، محمد عبد الوهاب.

مع زياد العيتاني جلسنا في زنزانته التي نقل إليها بعد التحقيق، تعرفنا على الخليط الشيعي، السني، المسيحي،.جميعهم صدّقوه، أمنوا ببراءته. أعطاهم حقّهم مسرحياً فيما وجه “صفعة” لمن سارعوا للتخلّي عنه والتبرؤ منه، للأصدقاء الذين تسابقوا على إدانته.

زياد في “وما طلّت كوليت” جسّد ذاته مطعمة بما اكتسبه لاحقاً، بما شاهده، بما أدركه، انتقل من الحاضر إلى الأمس، فقز على حبال شخصيته، أثناء التوقيف وبعد البراءة، وقدّم لنا نموذجه الحالي، نموذجاً لن يشكر أحد، لن يرضح لسلطة. زياد الذي شكر شخصيات عديدة بعد الإفراج الحقيقي عنه، رفع الصوت بعد الإفراج عنه مسرحياً قائلاً “عَ شو بدي اشكركم، ع مظلوميتي؟”!

قبل ختام المسرحية بدقائق خرج زياد من شخصيته “المونولوجية” لشخصيته الحالية، خاطب الجمهور قائلاً: “عم بحكي، لأن كل واحد منكم ممكن يكون أنا، كل هيدا الي صار كرامة شو، كرامة مسؤول كبير ما استحمل تعليق صغير”.

شارك زياد عيتاني في عمله المسرحي كل من خالد صبيح، فارس عنداري، زياد شكرون، أحمد الخطيب، والشخصيات الأربع تكاملت مع زياد بأداء أكثر من رائع أضحك الجمهور وأبكاه بعمق، على واقع لبناني تجسد بنكتة.