صرخة مكتومة: معاناة مزدوجي الجنس وماذا قال لها الطبيب..؟؟

12 مارس 2019
[author title=”صفاء عليان” image=”https://www.almodon.com/file/getimagecustom/1e3b7137-a111-4c36-bd53-8e9ad3437155/104/118″][/author]
حين قال لها الطبيب “خلقت خنثى، ولا تملكين رحماً أو مبيضين، وتملكين غدداً جنسية ذكرية مهاجرة في البطن، ولن تكوني قادرة على الزواج، إلا بالخضوع لجراحة توسيع المهبل”، كاد أن يغمى عليها، وشعرت كأنما رشقات رصاص متتالية، وجهها طبيب أمراض النساء على أنوثتها، وهي في عمر الخامسة عشرة.

كراهية الجسد
تتذكّر سلمى ذلك اليوم بكل تفاصيله، بعد أن اصطحبتها الأمّ إلى الطبيب، لغياب الدورة الشهرية، لتجرى لها تحاليل جينية، وصور أشعة، ومن ثم شخّص الطبيب حالتها بالإصابة بمتلازمة الحساسية للأندروجين منذ الولادة، وهي إحدى المتلازمات الجينية، التي تسبب تخلّق أعضاء جنسية أنثوية وذكرية في الوقت ذاته. وقد يشخص الرضيع بعد ولادته مباشرة، أو حتى سنّ المراهقة، لكون الأعضاء المختلطة تكون هاجرة في البطن، فعاشت سلمى سنوات شديدة البؤس لجهل التعامل مع حالتها الطبية، إلى جانب غياب البيئة الداعمة أو الاستشارة النفسية اللازمة.

كوزيت معلوف، الاختصاصية في علم النفس العيادي، تقول إننا نعيش في مجتمع يعتمد ثقافة “العيب” والشرف والعار، الأمر الذي يدفع الأشخاص مزدوجي الجنس وأسرهم إلى التكتّم عن الحديث حول حالتهم، بهدف عدم التعرض للضغط والإزعاج.

“كرهت جسدي، نظرت إليه مرات كثيرة بحقد، أحرجني تكوينه أمام وهم الأنوثة، المرتبطة بتفاصيل معينة. وليس هناك ما هو أكثر بؤساً من أن يحرج الإنسان من جسده”، هكذا عبرت سلمى عن تلك الفترة التي علمت فيها بشأن حالتها، تمنّت الموت. إذ لم تتمكّن من تجاهل حقيقة، مفادها أنّ عليها التعامل مع وضعها الجديد كل يوم.
تحدثنا سلمى أنها فكرت بالانتحار كثيراً، لكن إشفاقها على والدتها منعها، إلى جانب حبها لوالدها، الذي عانى كل الصعاب من أجل حماية أسرته الصغيرة من رحى الحرب، التي أطاحت بكل ما يملك في وطنه الأم.

سلمى التي تحرص على عدم الكشف عن هويتها، خلال حديثنا معها عن معاناتها كمزدوجة الجنس intersex تعيش في مجتمع يجهل مثل هذه الحالات، حيث وُلدت سلمى على أنها أنثى، مكتشفةً بعد إجراء تحليل دم للجينات، أنها تملك كروموسومات XY الذكرية، على عكس التكوين الخلقي للأنثى، التي تحمل كروموسومات XX، فضلاً عن وجود خصيتين مهاجرتين أسفل البطن. لكنها من الخارج فتاة كاملة الأنوثة.

الهزيمة أمام الحقيقة البيولوجية
المشكلة بدأت حين بلغت الثانية عشرة ولم تلحظ الدورة الشهرية أبداً، عكس صديقاتها، اللواتي كنّ يتبادلن الحديث عن هذا الموضوع، وما يمثّله من أهمية للفتاة، وانتقالها رويداً رويداً إلى النضج الجسدي. أخبرت سلمى والدتها بمخاوفها. لكن طمأنتها، بأن الأمر طبيعي ويختلف من فتاة لأخرى، في وقت كانت تشعر هي بالاختلاف وبأن هناك خطباً ما، فجسدها بقي طفولياً حتى الخامسة عشرة، وبعدها كانت الصدمة القاسية على سلمى ووالديها.

مشاعر حزن وقهر عاشتها، وكان المتنفس الوحيد هو الحديث عن وضعها لوالدتها فقط، كانت تبحث عن أسباب لتقبّل هزيمتها على يد القدر والطبيعة، كما أن المجتمع لن يتفهم أنها تملك في بطنها خصيتين، عوضاً عن رحم يحتضن أحلام أمومتها، ولن يرحمها لحالتها الخلقية، التي كانت تعتقد سلمى بندرتها وعدم وجودها. لكن عند البحث والاطلاع، واستناداً إلى بحث نشرته البروفيسورة في علم الأحياء ودراسات المرأة، آن فاوستو ستيرلينغ، في جامعة براون الأميركية، فإنه بين كل ألف ولادة هناك حالة إلى حالتين، لديهم أعضاء غير نمطية.

بدورها تشرح الاختصاصية معلوف: من المهم أن يتحدث مزدوج الجنس عن حالته مع شخص يثق به من العائلة أو من المحيط، لأن التكتم وعدم الحديث عن الحالة وظروفها، قد يشكل ضغطاً يومياً عليه، منوهةً أنه ليس عيباً أن يذهب مزدوج الجنس إلى أخصائي نفسي، لمناقشة الأمور التي تؤرقه لمساعدته على تخطيها والتعامل معها.

إمرأة بلا نوافذ
لم تواجه “سلمى” أزمة تحديد هويتها الجنسية أبداً، وفي الوقت ذاته شعرت أنها امرأة بلا نوافذ، خصوصاً مع غياب البيئة داعمة، وعدم وجود رعاية نفسية مناسبة من قبل مختصّ، وهو ما أكدته معلوف لنا، قائلة أن مفهومي الأنوثة والذكورة لا يرتبط بالشخص مزدوج الجنس، بل إن ذلك سببه أننا في مجتمع يربط العلاقة الجنسية بالخصوبة، ولذلك فهو ينظر إلى المرأة التي لم تنجب على أنها أقل أنوثة.

بعد أشهر من التشخيص، قررت سلمى الخضوع لجراحة استئصال الخصيتين المهاجرتين، وذلك خوفاً من تحولهما إلى أورام، حميدة أو خبيثة، كما أنها سارعت لإجراء العملية من منطلق الإطاحة بكل ما يربطها بالذكورة.

يبدو أن سلمى كانت محظوظة باكتشاف حالتها في سن المراهقة، لأن جزءاً من الرضع يتم اكتشاف حالتهم بعد ولادتهم مباشرة، حيث يقرر الوالدان إجراء جراحة استئصال الخصيتين، أو تصحيح الشكل الجنسي المختلط، ما يؤثر بشكل جسيم على حياة الطفل، حين يكبر بالشكل الذي قرره والداه، كما أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة “انتراكت” قالتا في تقرير مشترك، صدر عام 2017، إن الأطباء في الولايات المتحدة يستمرون بإجراء عمليات جراحية للغدد التناسلية الداخلية، على الأطفال، في سن صغير جداً، لا يسمح لهم بالمشاركة بالقرار، فضلاً عن أنه يمكن تأجيل العمليات من دون أي خطر، حسب التقرير.

ألم الحب والانفصال
كان الصدام الأول لسلمى مع المجتمع حول حالتها، حين أحبها شاب وأحبته، واستمرت علاقتهما وكانت تتجه نحو الزواج، في الوقت الذي تعيش سلمى مع نفسها صراعاً، فكيف تخبره بحالتها، وهل سيتقبلها؟ أم تكتفي بإخباره بأنها خلقت من دون رحم ومبايض، ولن تكون قادرة على الإنجاب مستقبلاً، وكانت تشعر بالضيق حين تختصر معاناتها بالإنجاب، معبرةً عن ذلك بالقول “إن جزئية الحمل والولادة ثانوية جداً، مقارنة مع تفاصيل الحالة، من الجينات إلى استئصال الخصيتين من داخلها، وليس انتهاءً مع الألم النفسي الذي تواجهه، مع جهل الأطباء واعتقادهم بندرة حالتها”.

أخبرته بالحقيقة كاملة، كانت صدمته شديدة، حاول إنكار أنها تشاركه كروموسوم Y الذكري، وقال إن هذا مستحيل فهو يراها أنثى فائقة الجمال، فكيف تكون “ذكراً” حسب تعبيره، آلمها رده واستخدامه لكلمة ذكر، وفترت علاقتهما وانتهت بعد قليل من الوقت، إذ إن ذلك الشاب لم يستوعب فكرة أن يرتبط بفتاة “خنثى”،  وكان استخدامه لهذا المصطلح الذي يعدّ ازدرائياً وجارحاً ويحمل تمييزاً جنسياً وجندرياً، أثراً قاسيا على سلمى، فما بين قول الحقيقة للشريك وألم الانفصال، تفقد سلمى الثقة تجاه أي علاقة مستقبلية.

انتصرت على هواجسها، فلن يتغير شيء بالغضب والحزن، كانت البداية بالتعرف على ذاتها مجدّداً وعلى جسدها، الذي يحمل خصوصية واختلافاً عن بقية الفتيات، وأصبحت ترى الحياة بألوانها المشرقة، موضحةً بالقول: “صرت أطير مرة أخرى، ربطت آلامي حول خصري، فتلاشت مع الرقص والدوران”.

المساعدة النفسية
“مؤلم أن تغلق الطبيعة كل أبوابك وتفتحها على القهر”، تقول سلمى، فمحاولاتها أن تمضي قدماً في حياتها اصطدمت بمشكلة أساسية ومهمة، إذ إنها تحتاج لجراحة تصحيح المهبل وتوسيعه، ليس بغرض إقامة علاقات جنسية وحسب، لكن لتشعر أنها أنثى كاملة كغيرها، في حين تعارض عائلتها بشدّة إجراء الجراحة قبل الزواج، بسبب تأثيرها على غشاء البكارة! إلى جانب حاجتها لجراحة تكبير الثدي، لأن جسمها المفتقر لهرمون الاستروجين والمستبدل بهرمونات تعويضية منذ سن البلوغ، لم يطور شكلها الأنثوي تماماً، وتعدّ هاتان الجراحتان مهمتين لها على الصعيد النفسي، والجمالي والوظيفي لها كأنثى، حتى ولم تكن نشطة جنسياً.

تشير معلوف إلى أن اتخاذ قرار عملية توسيع المهبل القصير للفتيات مزدوجات الجنس، يجب أن تتخذه الفتاة بنفسها، وفي حال رفضت العائلة، فإنه يجب أن يتدخل اختصاصي نفسي كوسيط، ليشرح لعائلة الفتاة مدى أهمية هذه العملية للفتاة على الصعيدين الجسدي والنفسي.

وتشدّد على أن العائلة هي مصدر الأمان والدعم والحب، وعلى الأهل أن يدعموا أولادهم إن كانوا مزدوجي الجنس، ويساندوهم لتجاوز صعوبات الحياة.

وتختم كوزيت معلوف حديثها بأن مجتمعات الدعم للأشخاص مزدوجي الجنس مهمة جداً، على أن تتوفر ضمن جمعيات ومساحات آمنة، تضمن للأشخاص تبادل الخبرات بشأن تفاصيل حياتهم، إلى جانب توفير الدعم والمساندة لبعضهم البعض.

من دون تمييز
سلمى، الفتاة العشرينية، تحارب الحياة بمفردها. توقفت عن الحسرة والبكاء. وتأمل أن يصبح مجتمعنا أكثر مرونة وتفهماً، حيث يعيش فيه كل الأشخاص على حد سواء، بحرية، من دون تمييز، تجمعهم الإنسانية، والإنسانية فقط.

المدن