إذا لم يكن في وسع الزوج أن يقوم بما عليه نحو زوجته، وإذا كانت الزوجة غير راضية عنه فماذا عليه أن يفعل ليرضيها ويطيب خاطرها؟

10 أبريل 2019
إذا لم يكن في وسع الزوج أن يقوم بما عليه نحو زوجته، وإذا كانت الزوجة غير راضية عنه فماذا عليه أن يفعل ليرضيها ويطيب خاطرها؟

[author title=”زهراء مجدي” image=”https://sasapost.today/author/zahraamagdy/”][/author]

إذا لم يكن في وسع الزوج أن يقوم بما عليه نحو امرأته، وإذا كانت امرأته غير راضية عنه فماذا عليه أن يفعل ليرضيها ويطيب خاطرها؟؛ الجواب: يجب عليه أن يحملها على ظهره وينقلها إلى ما وراء السياج، وبعد أن يجوز بها السياج يجب عليه أن يسلمها إلى رجل يرضيها.

هذا بالتأكيد ليس في حاضرنا المعاصر، لكنه كان الحال في عهد ما قبل ظهور الإسلام، أو ما يعرف بعهد الأمومة، وتعرف الأمومة في عرف علماء علم الاشتراك، بالقرابة من طرف الأم، كما يُراد بالأبوة القرابة من طرف الأب، بمعنى أن الولد في الحالة الأولى يُنتسب إلى أمه، وفي الثانية إلى أبيه.

وبالرغم من أن الأمومة أقدم عهدًا من الأبوة، إلا أنها ليست أقدم نوع في تاريخ العائلة، بل هي أحد الأنواع التي مرت على تاريخنا منذ ظهرت العائلة بمعناها الحالي. وبمتابعة أخبار القدماء وأبحاث العلماء العصريين أن الأمومة أمر يعم جميع شعوب الأرض، حتى لا تكاد تبحث خلف قوم إلا وترى للأمومة أثرًا حيًا ما يزال باقيًا عند البعض حتى اليوم، كما ترى كيف اضمحل ذلك كليًا وعوض عنها بالأبوة أو بنوع آخر من أنواع العائلة.

الأم حاملة الطفل واللقب أيضًا في الجاهلية

كانت القبائل العربية قديمًا قبائل توتامية، أي أنها تعبد الحيوانات وبعض العجموات، واتخذت ألقابها من هذه الحيوانات، فهناك براهين على أن الحمامة كانت تعد إلهة الكعبة، ومثلها الظبي، وبها تسمت بنو حمام وبنو ظبي. ومن المرجح أيضًا أن بني أسد نسبوا إلى الصنم ياغوث، كما أن بني عقاب إلى النسر. كانت من صفات هذه الفترة التوتامية أن الأولاد محصورين في نسل أمهاتهم، فيتبع الولد أمه دون أبيه، كما هو معروف إلى اليوم عن هنود أمريكا.

ونتجت الأمومة عن عدم تمسك الهيئة الاجتماعية القديمة بالزواج الشرعي، فقد كان الزواج في أول أمره وقتيًا وغير مقيد؛ أي أن المرأة لم تكن مرتبطة بالرجل برباط متين وشرعي لأجل غير مسمى، بل كانت تجامع الكثير من الرجال. وبعد عصور من الاختلاط والمجامعة المطلقة التي تقترب من مفهوم الزنا في يومنا الحالي، نشأ زواج جعل المرأة تخص جملة أشخاص معينة، من عائلة واحدة أو من أم واحدة، وكان هذا النوع من الزواج منتقلًا بين الشعوب.

يعيد بعض العلماء ذلك إلى قلة النساء؛ ومن الأدلة الواضحة على شيوع الأمومة عند العرب قبل استحكام نظام الأبوة عندهم، كلمة «بطن» التي يستعملها العرب حتى اليوم بمعنى العائلة أو القبيلة، وفي الواقع فإن هذه الكلمة بمعناها الأصلي تشير إلى عقد من الزمن كانت فيه المرأة مصدر العائلة ومحورها، غير أن هذه الكلمة ومرادفاتها ما زالت موجودة عند الشعوب الأخرى التي عرفت هذا الشكل من العائلة.

يبدأ العالم الألماني باهوفن كتابه الأمومة أو حقوق الأم، بمقدمة أصبحت أساسًا يُبنى عليها كل من تصدى للكتابة عن تاريخ العائلة، وفيها أن النكاح عند أجدادنا الأولين كان فوضويًا وغير محدد بشروط، أي أنهم كانوا يتعاطون نكاح الاختلاط أو المشاركة، وأنه لا سبيل في هذا النكاح المطلق إلى معرفة أبي الولد والانتساب إليه؛ ولهذا كان النسب محصورًا في الأم وقرابتها، أي أن هذا النكاح أولد الأمومة أو سلطة الأم، وتقدمها في المجتمع الإنساني. وكانت الأمومة شائعة بين جميع الشعوب القديمة على الإطلاق؛ العربية والغربية. وكانت المرأة نظرًا لكونها الوالدة الوحيدة المعروفة من أبوي الولد، محترمة ورفيعة المقام عند القدماء، ما أدى لترؤسها الهيئة الاجتماعية.

زواج الاشتراك.. للمرأة مثنى وثلاث ورباع

إن أقدم ما وصل لحاضرنا عن عرب الجاهلية، كان ما نقله المؤرخ والجغرافي اليوناني، اسطرابون (63 ق.م: 23 م)، في معجمه الجغرافي، من أمر الزواج عند العرب، وأن الأملاك عندهم مشتركة؛ أي تخص جميع أعضاء العائلة التي يرأسها الشيخ، وهو أكبرهم سنًا. وللعائلة امرأة مشتركة يختلفون إليها، فمن جاء منهم قبلًا دخل عليها، وترك في باب الخلا عصاه ليشير بذلك إلى اختلائه بها؛ لكنها في الليل لا تجامع إلا أكبرهم سنًا، وكانوا يعرفون الزنا بأنه مجامعة امرأة من غير العشيرة.

لوحة الاتكاء لفرانز آيزنهوت

في معجمه حكى اسطرابون قصة خمسة أخوة عشقوا أختًا لهم، وكانت بنت أحد أمراء العرب، فكانوا يختلفون إليها الواحد بعد الآخر، حتى سئمت ذلك وتوصلت بحيلة إلى التخلص منهم. وقد استخدم اسطرابون هذه القصة للإشارة لشيوع زواج الاشتراك عند العرب، وتفضيل العرب النكاح الوقتي على الزواج المستمر، فقد كتب عنهم: «وهم يقضون عمرهم في التجول والتنقل، ونساؤهم يجامعن من أردن من الرجال لأجل مسمى.. ولكي يقربوا هذا الجماع نوعًا من الزواج كانت المرأة تقدم لزوجها مهرًا».

وقد جاء عن هذا النوع من النكاح ما ذكره البخاري من أنه أحد أنواع النكاح في الجاهلية، ووصفه بأن «يجتمع رجال دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلهم، فإذا حملت ووضعت، ومرت ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، ولا يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد وضعت، وهو ابنك يا فلان، وتسمي من أحبت باسمه، فيلحق بها ولده، ولا يستطيع أن يمتنع من اختارته عن ذلك». وهناك أدلة كثيرة أقربها ما جاء في كتاب الملل والنحل للشهرستاني، عند كلامه عن صاحبة الراية: «كان يختلف إليها النفر، وكلهم يواقعها في طهر واحد، فإذا ولدت ألزمت الوالد أحدهم». ويظهر مما ذُكر أن تشارك الرجال في امرأة واحدة، وإن كان مباحًا للجميع إلا أنه كان يخص جماعة معلومة.

وقد نتج عن كل ما ذُكر من أمور النكاح عند العرب في الجاهلية، أنه لم يكن من سبيل لمعرفة الأب عندهم، بل لم تكن هناك حاجة لذلك، ففي هذه العصور كان يتبع الولد أمه ويتعلق بها في جميع أموره، لكن ذلك لم يكن يمنع الرجل من أن يشعر بميل نحو ابنه، وهو سبب مجيئه للوجود، حتى ولو كان تم تعيينه أبًا بإشارات خارجية، وفي هذا قالهيرودوس: «وكان متى كبر الأولاد في بيوت أمهاتهم، تجتمع الرجال كل ثلاثة أشهر فيُعطى لكل منهم من شابهه من الأولاد، فيتبناه ويجعله وريثًا له».

دخول الإسلام واستحالة الامتناع

كان النكاح الوقتي شائعًا بين العرب وقت ظهور الإسلام، وأصبح يُعرف في الإسلام بالمتعة أو نكاح المتعة، وهو نكاح يُعقد لأجل مسمى، ثم يُحل بعد انقضاء هذه المدة، ونُقل عن الزمخشري تعريفه له: «سُميت متعة لاستمتاعه بها أو لتمتيعه لها بما يعطيها». ورغم دخول الإسلام ونهي النبي محمد عن زواج المتعة إلا أن هذه العادة بقيت حتى عصور متأخرة، لأنه كان يصعب على جميع الأوامر التي صدرت في هذا الشأن أن تثني العرب عن عاداتهم المتأصلة في أخلاقهم أجيالًا، وتحملهم دفعة واحدة على التمسك بالزواج الشرعي المستمر.

ومن أدلة استمرار زواج المتعة ما حكاهالرحالة الإنجليزي جيمس هاملتون في رحلته عن مدينة سنان في اليمن، على أنها مدينة عظيمة، تبعد عن مكة مقدار 15 يومًا نحو الشمال، وتجارتها الداخلية واسعة تمر فيها أكثر البضائع الهندية الواردة إلى مكة. وفي شوارع سنان ينتشر سماسرة للنساء، فكل غريب لا مأوى له في المدينة يمكنه أن يتزوج ويستوطن في المدينة بقيمة زهيدة وبطريقة سهلة، بأن يتفق مع امرأة بعد أن يراها وتعجبه على الثمن، فيحدد لها المدة التي يمكنه أن يقضيها معها، ثم يحضر معها أمام القاضي أو حاكم البلدة، فيسجلان اسميهما في كتاب عنده، ويكتبان الشروط التي اتفقا عليها، ليعد هذا الزواج شرعيًا حتى انقضاء المدة المعينة وافتراقهما.

مشهد تخيلي للحريم في القصر لجانباتيست فان مور

وحكى ابن بطوطة عند كلامه عن نزوا عاصمة عمان: «ونساؤهم يكثرن الفساد ولا غيرة عندهم ولا إنكار لذلك.. وكنت يومًا عند سلطان عمان أبي محمد بن نبهان فأتته امرأة صغيرة السن، حسنة الصورة، بادية الوجه، فوقفت بين يديه وقالت له: يا أبا محمد طغى الشيطان، فقال لها اذهبي واطردي الشيطان، فقال له لا أستطيع وأنا في جوارك يا أبا محمد، فقال لها اذهبي فافعلي ما شئت، فذكر لي لما انصرفت عنه أن هذه ومن فعل مثل فعلها تكون في جوار السلطان ولا يقدر أبوها ولا ذوو قرابتها أن يغيروا عليها، وإن قتلوها قُتلوا بها لأنها في جوار السلطان».

ولأن نساء العرب لم يكن كلهن على نمط واحد، كان يصعب وجود نساء يبعن أعراضهن بدريهمات أو بقبضة دقيق في الجاهلية، فهناك تفاوت بين رغبات النساء، ولكن الثابت هو أن المرأة كانت تقدم على الاستمتاع بسهولة، ولم يكن أحد يستغرب ذلك منها. فلم ير العرب في الجاهلية أهمية للزواج الشرعي المستمر لاستفادتهم من الزواج بدون شروط وهو الذي يحل نفسه إذا أراد ذلك أحد الطرفين متى لم يجد فيه لذة وارتياحًا.

فقد روي عن سيدة تدعى أم خارجة أنها جامعت أكثر من أربعين رجلًا من عشرين قبيلة، فكان يأتيها الخاطب، فيقول خطب، فتجيبه نكح، وكانت تتزوج واحدًا وتطلق غيره بعد أن تستمتع به، ومن قصتها جاء مثل قديم: «أسرع من نكاح أم خارجة». ومثل أم خارجة الكثيرات منهن مارية بنت الجعيد العبدية وسلمى بنت عمر أم عبد المطلب، وكن إذا تزوجت الواحدة منهن رجلًا وأصبحت عنده كان أمرها إليها إن شاءت أقامت وإن شاءت ذهبت، وكانت علامة ارتضائها للزوج أن تعد له الطعام إذا أصبح، كما روي في كتاب الأمثال للميداني.