الى حدّ بعيد، نخاف المرض ربما لأنه يزيد ضعفَنا أضعافاً، وإذ يفرض المرض “العضوي” نفسه علينا فيجبرنا على الاعتراف به والبحث في سبل علاجه، نواجه المرض “النفسي” بكلّ طاقة الخوف المكنونة في داخلنا والتي تترجم الى قوة رافضة ومناهِضة له، بل ومتنصلة من وجوده. ومع ذلك، لا يتوانى المرض النفسي عن فرض تأثيره حتى يصل به الأمر أحياناً الى إزهاق الروح.
بحسب منظمة الصحة العالمية “ينتحر حوالي 900 ألف شخص على مستوى العالم سنوياً، وأكثر من نصف الحالات تقع في الفئات العمرية بين 15 و44 سنة.
وتُسجَل الاضطرابات النفسية كأحد أبرز أسباب الانتحار وأكثرها قابلية للمعالجة”، فيما يحرمنا الجهل، بإمكان الشفاء من بعض الأمراض النفسية، من طلب العلاج. يُعضد الجهل وصمة العار التي ترافق المرض النفسي. فلا يزال المريض النفسي – في منظور قطاعات اجتماعية واسعة – هو ذاك “المجنون” ضعيف القدرات الذي تعتزله الناس وتخافه.
تُعلّق د. إ.د، وهي طبيبة نفسية وعصبية بالقول: “إن الجهل يمثّل حجر عثرة عتيداً في طريق الصحة النفسية، إذ كثيراً ما تصنّف السلوكيات السالبة للمريض النفسي على أنها قلة أدب، لذلك تُواجَه من قبل أسرته ومقربيه بالسعي الدؤوب الى الردع العنيف والاستنكار المتعالي. كذلك كثيراً ما يُستهلك المريض في وصفات الدجّالين التي تلخّص شكوى المريض على أنها محض مسّ شيطاني”.
للأسف، أصبح كثيرون يتعاملون مع “المرض النفسي” على أنه “عار” لا يمكن الاقتناع بوجوده والإفصاح عنه، حتى زاد مرضهم مرضاً، وأصبحوا خطراً على أنفسهم ومن حولهم.
من منا يفكر في الذهاب الى طبيب نفسي عندما يشعر بضغوط نفسية تحاصره؟ من منا يفكر في علاج نفسه نفسياً قبل تفاقم الأمور؟ ومن منا يجاهر بذلك مثل إصابته بـ”دور برد”؟. لا أعتقد أن كثيرين يفعلون ذلك، حتى لا يقال عنهم “مجانين”، لكن الجنون الحقيقي أن نترك المرض ينهش عقولنا حتى نقتل أنفسنا أو غيرنا.
ضعوا الأمور في نصابها، وانظروا إلى المرض النفسي على أنه كسائر الأمراض، وارحموا المرضى النفسيين من “الهمز واللمز”؛ لا تغلقوا أمامهم أبواب العلاج. رفقاً بأنفسكم؛ لا تجزعوا، جدوا واجتهدوا وثابروا واطمئنوا؛ فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ولا يتمنين أحدُكم الموت لضرر أصابه.