الزواج المدني “اونلاين”… السهل الممتنع في لبنان

17 يوليو 2022
لوتشيانا سعود

لطالما شكلت قضية الزواج المدني في لبنان تضارباً في الآراء بين مؤيد ورافض، مع معارضة طاغية على إمكان تنظيم زواج مدني في لبنان من خلال قانون، فالاعتراض كان على الزواج المدني الاجباري، وأنه حماية للمعتقدات الدينية وبهدف التمسك بها، ورفض فرض الزواج المدني على من هو غير مقتنع به. كما أن الزواج المدني الإلزامي يتعارض قانوناً مع القواعد الدستورية التي كفلت الحريات وممارسة المعتقدات الدينية المختلفة.

لكن المفارقة هي رفض طرح تنظيم الزواج المدني الاختياري أيضاً، وهذا يدل على تمسك رجال الدين بالسلطة وتخوفهم من تفلتها أو التقليل منها وإلغاء المحاكم الدينية. لذا لجأ العديد من اللبنانيين الى الزواج المدني وهم من ديانات مختلفة أو أن شركاءهم من جنسية مختلفة أو حتى اختيار أشخاص من الديانة نفسها، اقتناعاً منهم به، علماً أنه لا يمكن الجزم بعدم إحترام هؤلاء الأفراد لدياناتهم ومعتقداتهم وايمانهم بها أو إعتبار زواجهم تشجيعاً ورسالة لغيرهم.

ويشاع عن الزواج المدني أنه خطوة أولى نحو بناء الدولة المدنية، لكن هذا المفهوم غير دقيق والهدف منه الشعبويّة فقط، إذ أن لبنان دولة مدنية وغير مذهبية نظراً الى قوانينها الجزائية غير الشرعية وكذلك التجارية وقانون العمل، إلاّ أن هناك الطائفية السياسية الممثلة بالمحصاصات وبتقسيم الوظائف الأولى والرئاسات في الدستور اللبناني مناصفة إضافة الى وجود قانون أحوال شخصية يرعى حياة الأفراد ومماتهم. إذاً، لبنان يعتبر دولة مدنية بنحو ٩٠ في المئة وليس الزواج المدني الإلزامي هو الذي سيساهم في المدنية، إنما يساهم حتماً في الانصهار الوطني وإلغاء الطائفية السياسية وهذا أمر شائك يعالج على حدة.

على الرغم من الرفض الواسع للزواج المدني وعدم تشريعه في لبنان، لوحظ في الآونة الأخيرة عقد هذا الزواج عن بعد “اونلاين”. وكان لموقع “لبنان الكبير” حديث حول هذا الموضوع مع أستاذ القانون في الجامعة اللبنانية جيلبار سليمان، الذي أكد أن “هذه الزيجات قانونية ويمكن تسجيلها في لبنان طالما أن قانون البلد الذي يتم الزواج المدني من خلاله يسمح بهذه الزيجات عن بعد وينظمها ويصدر شهادات بالزواج التي تكون على غرار الزيجات المدنية الحاصلة خارج لبنان والتي تعتبر قانونياً غير مخالفة للانتظام العام ويمكن تسجيلها، فالزواج المدني اونلاين لا يعتبر من الانتظام العام وما من أمر يمنع تسجيله”.

أما عن إمكان تضارب القوانين conflits de loi، فأوضح سليمان أنه كاجابة أولية “لا تضارب فعلياً في القوانين، إذ أن لا قانون في لبنان يسمح بالزيجات المدنية وينظمها، الا أنه يمكن تسجيله قانوناً هنا، غير أنه طالما قانون البلد المعتمد يسمح بالزواج اونلاين فعند وجود خلاف ورفع دعوى في لبنان يتم الفصل بحسب القانون الأجنبي، لكن الجواب المفصل يحتاج إلى دراسة أعمق وأبحاث”.

أضاف: “ان القانون المدني الإختياري في لبنان يُهوّن عمل القضاة، إذ عند رفع الدعوى في لبنان على القاضي الفصل بحسب القانون الأجنبي ويحتاج الى تفسيره، واذا كان القانون غير معلوم فعلى مقدم الدعوى أن يبرز القانون للقاضي ويتم تفسيره. الأمر الصعب نوعاً ما مقارنة مع تشريع قانون لبناني يُنظم الزواج المدني الإختياري يتم الإستناد اليه للفصل”. وبالنسبة الى سليمان “لا يجوز فرض الزواج المدني كزواج إلزامي على من يرفضه ويتمسك بمعتقداته علماً أنه قانوناً يحق لكل فرد ممارسة شعائره بحرية”.

عند الحديث عن الزواج المدني “اونلاين”، لا بد من الانتباه كم بات يُسهل على طالبيه الزواج ويسمح لذويهم بحضور المراسم ويوفر عليهم تكبد تكاليف السفر والتمتع بالأموال في إحتفال يضم الأقارب والأصحاب كما هي العادة في المجتمع اللبناني. وحتى أنه يمكن للثنائي توفير الأموال خصوصاً مع الوضع المالي الصعب الذي يمر به لبنان علماً أن هكذا زيجات تكلف ما يقارب الألف دولار، لذا بات الزواج المدني أمراً سهلاً ممتنعاً في لبنان.

وكان لافتاً زيجات نهاية الأسبوع الفائت عبر الـ “اونلاين”، بحيث ضجت المواقع بعرس ضهور الشوير بين درزي وشيعية، وآخر بين شيعي ومسيحية من طائفة الأرمن الكاثوليك. وتقول دونا انها لجأت وخليل الى الزواج المدني بسبب رغبتهما في ذلك مع عدم إمكان تزويجهما مدنياً في لبنان. والـ”اونلاين” تحديداً بسبب تكلفة العرس في الخارج كون عائلة كل منهما كانت ستحضر وستتكبد المصاريف في ظل الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان، وكذلك تأخير موعد إستلام العريس جواز سفره، فكانت فكرة الزواج المدني “اونلاين” هي الحل الأنسب وتسمح لهما بالإحتفال مع ذويهما كما أحبا دوماً.

وكانت تجربة خليل رزق الله وندى نعمة التي واكبها الاعلام في أواخر العام الماضي قد ألهمت الثنائي. وأوضحت دونا أن صفحة civil marriage online سهلت الأمر عليهما وساعدتهما على إتمام الزواج مدنياً في لبنان بحسب قانون الولايات المتحدة الأميركية وخصوصاً ولاية يوتا التي تسمح بالزواج عن بُعد. وبحسب عدد من الحقوقيين، يتوقع أن يتم اللجوء الى الزيجات المدنية “اونلاين” في لبنان أكثر فأكثر في الفترة المقبلة لأنه الزواج السهل الممنوع في لبنان.

المصدر لبنان الكبير