قصّة تطويع الطبيعة في «العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية»

6 نوفمبر 2018
قصّة تطويع الطبيعة في «العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية»

Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/beirutnews/public_html/wp-content/themes/newsbt/includes/general.php on line 742
beirut News

قسوةُ الإنسان مع الطبيعة واستنزافُها لم يعُدْ موضوعاً محوَرياً في منتديات أنصار البيئة فقط، إنما يتمُ طرح هذه المشلكة على شاشات السينما إذ تحوّلت المخاطر المُحدقة بالطبيعة إلى ثيمةٍ لكثير من الروائع الأدبية منها رواية (العجوز الذي كان يقرأُ الروايات الغرامية) الصادرة عن دار الآداب للكاتب التشيلى لويس سبولفيدا.
تتناولُ الروايةُ حياة رجلِ عجوز يسكنُ مع زوجته بين مجموعات بدائية «الشواريون» في منطقةِ يطلقُ عليها لاحقاً «أل إيديليو»، بعدما يغادرُ الإثنان موطنهما الأصلي في جبال «الكورديليرا». يذكر الراوي العليم إنطلاقاً من اللوحة التي احتفظ بها أنطونيو خوسيه بوليفار برووانيو وهي تمثّل زوجين شابين حياة الرجل العجوز الذي خطب تلك المرأة التي تجمعه بها اللوحة عندما كان في الثالثة عشرة من العمر.

ترث العائلة الصغيرة أراضي من والد الزوجة ما يوفّر للشابين مصدراً للمعيشة، لكنْ ما يشوب نمط حياة الإثنين هو عدم إنجاب الزوجة فتتألّمُ الأخيرة جراء ما يتنامى على مسمعها من تعليقاتٍ تنعتها بالعاقر.

في المقابل، يواسي أنطونيو خوسيه بوليفار زوجته دلوريس أنكرنسيون دل سنتيزيمو، غير أنَّ أنطونيو يدرك صعوبة الموقف حين تَطاله سهام الشكوك في الرجولة لذا يدير الظهر عن قريته «سان لويس».

الهجرة

مايحدو بـ«أنطونيو خوسيه بوليفار» للتفكير في خيار الهجرة هو إقتراح أهل القرية لمشاركة زوجته في إحتفالات سان لويس شِبه الإباحية، وهو بدوره لا يستسيغُ أن يكونَ أباً لإبنٍ حملتهُ زوجته من رجل آخر وُيفضل الهجرة من القرية متوجّهاً إلى أمازونيا برفقة شريكة حياته.

هنا يبدأُ الإثنان حياة جديدة على رغم وجود الصعوبات لعَلَّ أبرزها هو عدم معرفة النباتات السامّة وانتشار الحشرات وحدوث الفيضانات التي تجرف الأكواخ وتذهب أرواح المستوطنين الجدد ضحية لغلوائها.

تُسهّلُ مساعدة الشواريين للقادمَينِ بعض الأمور الحياتية إذ يتعلمُ الغريبان منهم القنصَ وصيد الأسماك وبناء المأوى. لكن هذا الإختيار يكلّفه فراق زوجته حيث تفارق الأخيرة الحياة إثر إصابتها بالحمى وبذلك يصبحُ أنطونيو وحيداً ولا يتمكّنُ من العودة إلى قريته، ويوغر رحيلُ زوجته صدره بنار الغضب على طبيعة أمازونيا الخضراء متمنيّاً تفحّمَ أراضيها، غير أنَّه ما يلبث أن يخالط بالشواريين ويتعلّم لغتهم. ويجالسهم لافتاً إنتباهَ هؤلاء إلى اختلاف تقاليدهم وتصرفاتهم عن الشعب الذي ينتمي إليه. وهم يضحكون من تعليقاته على نمط عيشهم من المأكل والملبس، ولا يستوعبون وجود الشعوب التي يعملُ أفرادها من مطلع الشمس حتى غروبها.

طبعاً وفي ذلك يتبيّنُ إكتفاء الإنسان البدائي بما تمنحه الطبيعة بينما أبناء البيئات الحضرية حلقات إحتياجاتهم تزدادُ يومياً. لاتمرُ حياةُ أنطونيو دون مُنغّصات إذ تعضّه حيّةٌ، ولولا رعاية الشواريين له ومعالجته بأدويتهم الخاصة لأودت اللسعة بحياته.

وعندما يتعافى يُقامُ له الإحتفال ويشربُ أنطونيو للمرة الأولى شراب «الناتيما». أكثر من ذلك يكون نوشينيو صديقاً للقادم من الجبل، فالأولُ هرب من حملة مُتمدّنة شنَّها عساكر من البيرو. يجدُ أنطونيو نفسه وحيداً من جديد عندما يُقتَلُ صديقه في إشتباك مع البيض المُنقّبين عن الذهب، وعلى أثر ذلك يُغادرُ أنطونيو موطن الشواريين بعدما يحتجونَ على إستخدامه للسلاح ثأراً لصديقه.

إكتشاف

يتابعُ القارئُ وجهاً آخر من حياة أنطونيو خوسيه بوليفار مع إنتقال الأخير إلى «أل إيديليو»، إذ توسَّع هذا المكان بعدما أقبل عليه نفرٌ من الباحثين عن الذهب والمعادن. إذ يراقبُ نَهْمَ المستوطنين و فَتْكهم بالغابة وهم يدمّرون مساحات خضراء.

ترى إلى جانب العجوز شخصيات أخرى إذ تكتسبُ في سياق السردِ شخصية الدكتور لواشين طبيب الأسنان دوراً أساسياً كونه حلقةَ التواصل بين «أل إيديليو» والعالم الخارجي، إضافة إلى أنّ الطبيب يزوّدُ أنطونيو بالروايات الغرامية، يكتشفُ العجوز قدرته المغمورة على القراءة حين يصوّتُ في الإنتخابات ويُسألُ عمّا إذا يعرف القراءة فيتلفّظُ بإسم المرشح المكتوب على القائمة.

إذاً فإنَّ أنطونيو مُزَودٌ بترياق شافٍ من سمّ الشيخوخة الهائل. يستعيرُ قصاصات من الصحف والمجلات القديمة من المُحافظ و ينكبُّ على قراءتها.

كما يسحبُ سيرة فرانسوا من يد الخوري خلسة عندما يغفو الأخير ويتصفّحها ومن ثُمَّ يستفسرُ عن صاحب السيرة من رجل الدين الذي يخبرهُ عن قراءاته لكتب كثيرة يتواصلُ الحوارُ بين الخوري وأنطونيو الذي يمتلكُ فضولاً لمعرفة موضوعات الكتب المتنوّعة. تزيدُ مفردة الحب من شوق ورغبة أنطونيو للقراءة.

هكذا تتقاسمُ الحياة هوايتا القراءة والصيد، ويُسمَحُ له بالإقامة في المدرسة بعدما يتوسّطُ له الدكتور لواشاين لدى المُعلّمة، وهنا يقرأُ مجموعة عناوين مما تضمّهُ مكتبة المدرسة. ومما يفزعُ أهالي المنطقة هو سقوط القتلى من بين البيضِ الذين يجوبون الغابة، فإذا بالمحافظِ يحمّلُ الشواريين مسؤولية مقتلِ المُنقبين عن الذهب ليس آخرهم نابليون ساليناس.

لكنّ العجوز برّأ ساحة الشواريين من جريمة لم يرتكبوها وأفهم الجميع بأنَّ ما يقعُ يحملُ أثر مهاجمة الحيوانات الضارية منها القطط البرية. يتوالى العثور على جثث القتلى إلى أنْ يقتنعَ المُحافظُ بضرورة متابعة أثر البهيمة، ويطلبُ مساعدة العجوز لدرء هذا الخطر مقابل عدم مُصادرة أراضيه.

ويصحبُ أنطونيو المُحافظ، المُلقّب بالبدين، في مُطاردة أُنثى القطة. تنهكُ الرحلة الجميع إلى درجةٍ يتراجع الصيادون عن المواصلةِ، ويبقى العجوزُ وحيداً في صراعه مع أنثى مكلومة بقتل ذكرها.

التشويق

هنا يضعك الروائي في صميم المشهد المفعم بالتشويق، إذ يستعيدُ العجوزُ ما صادفه في الغابة وتتواردُ أسماء الحشرات والحيوانات في مضامين الرواية.

هكذا يتربّصُ الصيّاد العجوزُ بالفريسة كما أنَّ الأخيرة تتحيّن الفرص للإنقضاض عليه. وتتوقفُ آلة السرد عن الحركة بقتل الحيوان الضاري وتحتقن الدموع بعين العجوز عندما تجرف مياه النهر جثة القطة ولم يحسبْ نفسه منتصراً في المعركة.

وما يشدُ إهتمام القارئ هو تصرّف العجوز عندما يلقي بندقيته في النهر واصفاً إياها بالملعون ويسلك طريقه نحو كوخه لقراءة رواياته الغرامية.

تأتي أحداث هذا العمل مُنَكّهةً بالفكاهة والخفّة في التنقل، ويتكفّلُ الساردُ العليم برواية القصة بدسّ تعليقاته بين المقاطع الحوارية، لتنزل الرواية ضمن خانة الأعمال المناشدة للدفاع عن الطبيعة.