الرقص الطائفي والمذهبي حول جثة الوطن؟!

29 نوفمبر 2018
beirut News

يردد اللبنانيون على وجه العموم، وهم يتابعون بقلق، وبسيل من الاسئلة والتساؤلات تعثر ولادة »حكومة الوفاق الوطني« الموعودة، معزوفة الفنان اللبناني »المهضوم« جورج خباز، متسائلين واياه »تغير شي، او ما تغير شي«؟

وقد دخلت ازمة التأليف شهرها السابع من عمر التكليف، ولبنان على ابواب عيدي الميلاد المجيد ورأس السنة، ليجيبوا أنفسهم قائلين: »لا ما تغير شي … الحالة هيي هيي وما تغير شي؟!

يحاول البعض التخفيف من حدة الازمة وتداعياتها، بالقول انها ليست المرة الاولى بتاريخ لبنان، تحصل مثل هذه الازمة، التي طاولت في مرات سابقة رئاسة الجمهورية، كما العديد من الحكومات … وفي النهاية »حصل الفرج« متناسين، عن سابق اصرار وتصميم ان ما حصل سابقا لم يكن صدفة، كما وان الحلول لم تأتِ من داخل البيت اللبناني، »طاهرة ومطهرة« الا بعد التوقيع عليها من الخارج الدولي والاقليمي والعربي؟! وهو مشهد يصعب تكراره بسهولة بسبب ما يجري من تطورات في المحيط الاقليمي، القريب منه والبعيد، ويتمثل في جزء كبير منه، في »الهجمة الفارسية – الايرانية« على دول المشرق العربي والخليج العربي، وانشغال المملكة العربية السعودية في توفير جبهة امان لمنطقة الخليج، وقد سادت العلاقات مع سوريا وسقطت مقولة الــ »س.س«؟!

قد يكون من الصعب الرهان على مساعٍ عربية لحل ازمة لبنان، والمتمثلة في تعثر ولادة الحكومة العتيدة، كما وقد يكون من الصعب الرهان على مبادرات لبنانية – لبنانية صافية للخروج من هذا المأزق، على رغم المناشدات الفرنسية المتلاحقة، حيث لا يمر يوم ولا اسبوع، الا تطل باريس على الافرقاء اللبنانيين كافة، مناشدة المعنيين منهم »الاسراع في تأليف حكومة وحدة وطنية، والمباشرة في اجراء الاصلاحات الضرورية« على ما جاء في رسالة التهنئة بالاستقلال التي وجهها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لنظيره اللبناني العماد ميشال عون، مع تأكيد التزام بلاده دعمها للبنان وتمسكها بوحدته واستقلاله وسيادته وسلامة اراضيه واستقراره… وتشديده على »اهمية اعتماد لبنان سياسة صارمة في النأي بالنفس عن النزاعات التي تحوط به، لكي يبقى في منأى عن التنافس القائم بين القوى الاقليمية«…

نظر عديدون الى القراءة الفرنسية هذه، على انها »طوباوية« و»غير واقعية« حتىولو تحقق المستحيل بإجماع الافرقاء اللبنانيين على هذا »النأي بالنفس« حيث المسألة ليست موقوفة على خيارات اللبنانين، الذين لم يجتمعوا يوما على استراتيجية واضحة وواحدة. ولبنان ليس »جزيرة منعزلة عن سائر جواره… والكيان الاسرائيلي، كان ولا يزال وسيبقى في صلب التهديدات التي يواجهها لبنان، وعلى اكثر من صعيد، وهو الكيان الذي ما يزال يحتل ارضا لبنانية، ويهدد ثروات لبنان النفطية والغازية في المياه الاقليمية المحاذية لفلسطين المحتلة، و»اسرائيل تسعى الى مد اطول شبكة ايصال الغاز في العالم الى اوروبا«…

لم يتفق الافرقاء اللبنانيون يوما على تحديد من هو العدو ومن هو الصديق، وكيف يكون التعامل مع الاعداء كما مع الاصدقاء… وقد ذهب عديدون الى تأكيد ان ما يحصل في لبنان، هو في جزء كبير منه خارجي، على نحو ما قاله الرئيس فؤاد السنيورة قبل ايام في لقاء حواري في احد احياء العاصمة بيروت، الذي رأى ان »هناك – ربما – اسبابا خارجية تدخل على الخط، كطلب ايران من »حزب الله« التشدد في مسألة تشكيل الحكومة، او ربما مشكلة من »حزب الله« نفسه الذي يريد ان يظهر كحزب عابر للطوائف، وهو صاحب القرار في لبنان، لتوظيف ذلك على الصعيد الدولي او الاقليمي واللبناني…

ضمن خريطة توزيع ادواره حيث يعقد الحزب امور تشكيل الحكومة في لبنان، وايران تعقد الامور في العراق…

يبدي متابعون عن كثب للتطورات الدولية والاقليمية والمحلية اللبنانية دهشتهم من هذا الاهتمام الدولي – الاقليمي بالازمة اللبنانية… ومصدر الدهشة ليس عدم قراءة تاريخ المنطقة، ولبنان جزء لا يتجزآ منها، كما انه ليس ناجما عن ادارة الظهر للعلاقات الدولية والاقليمية والعربية، وطبيعة ظروفها،… وكأن لبنان لم يشهد في تاريخه البعيد والقريب، اي شكل من اشكال التدخلات الخارجية… ومع ذلك يقف اللبنانيون حيارى امام هذا »الغرام الدولي والاقليمي«، بالملف اللبناني، والجميع يتابعون حركة الاتصالات والنشاطات الديبلوماسية وغير الديبلوماسية التي يشهدها البلد…؟! وخطابات ورسائل ومبعوثين من كل حدب وصوب، ومؤتمرات سياسية واقتصادية وانمائية بكل الاحجام والقياسات وكأن لبنان غدا جزءآ من كل خطاب ومادة على جدول اعمال اي اجتماع او لقاءات اقليمية ودولية؟! بينما الافرقاء اللبنانيون المفترض انهم معنيون أو مسؤولون عن حل ازمات البلد يواصلون كباشاتهم وسجالاتهم وعرض عضلاتهم، والتمسك بنظام المحاصصات الطائفية والمذهبية التي اثبتت انها تمتلك جهاز مناعة ضد »المواطنية« بمنسوب عال ومقدرة عصية على الشفاء … وهي تنعم بإمتيازات مثيرة للغيرة والحسد وتمتلك قدرة فائقة على نقل سلاحها طوائفها ومذاهبها من كتف الى كتف..

واللبنانيون في غالبيتهم الساحقة يتساءلون متى يتوقف هؤلاء عن الرقص الطائفي والمذهبي والفردي حول جثة الوطن..؟!