[author title=”اندريه قصاص” image=”http://”][/author]
على مدى ثمانية اشهر وعشرة أيام، أي منذ اليوم الأول لتكليفه تشكيل الحكومة بعدما سماه 111 نائبًا في الإستشارات الملزمة، وجد الرئيس سعد الحريري نفسه محاصرًا من الجهات الأربع، وسط حقل من العقد والشروط والشروط المضادة، وهو حاول بكل الطرق تفكيكها الواحدة تلو الأخرى من دون أن تلوح في أفق “أزمة العصر” ما يوحي بإمكان الوصول إلى برّ الأمان، وهو الذي يلمس لمس اليد مدى الإنهيار الذي وصلت إليه البلاد، على كل المستويات، وهو الذي يسمع أكثر من غيره من الدول التي يهمّها أن يقف لبنان من جديد على قدميه وينطلق في مسيرة إستعادة ثقة اللبنانيين بدولتهم أولًا، وثقة العالم بها ثانيًا، مع ما يعنيه إستمرار المراوحة من فقدان الأمل في الوصول إلى منع ذهاب البلد بملء إرادته إلى ما يشبه الإنتحار الجماعي.
ما يحيّر في كل ما يجري أن ثمة تسليمًا جماعيًا بأن أمور البلد سائرة في منحدر خطير لم تعد المكابح العادية تجدي نفعًا لوقف سرعة الإنهيار، ومع هذا كله لا يلمس اللبنانيون جدّية من قبل المسؤولين للحؤول دون الوصول إلى قعر المنحدر، بحيث يصبح الصعود منه مستحيلًا.
وعليه، فإن أي تفاؤل بقرب ولادة الحكومة، التي دخلت في شهرها التاسع، إن لم يكن مبنيًا على وقائع حسّية، سيولّد المزيد من خيبات الأمل والمزيد من الإحباط لدى عامة الشعب، الذي يجد نفسه في سفينة متروكة وتتقاذفها الأمواج العاتية وتحيط بها مخاطر الغرق في كل لحظة تمرّ، وهي لحظات سريعة ومقلقة.
وقبل أن يحين الموعد الذي حدّده الحريري لنفسه، وهو موعد يعتبره البعض بمثابة الفرصة أو الخرطوشة الأخيرة، لم يبقَ أمامه سوى حل من أثنين، إما الصعود إلى بعبدا بتشكيلة الأمر الواقع والذهاب بها إلى مجلس النواب لمنحها الثقة أو حجبها عنها، وبذلك يكون قد وضع الجميع أمام مسؤولياتهم. وإما أن يقول لرئيس الجمهورية “اللهم أني سعيت وأبلغت”، فيضع بين يديه أمانته، ويكون الإعتذار، الذي هو بمثابة “شرّ لا بدّ منه”، لتعود بعد ذلك عقارب الساعة إلى الوراء ثمانية أشهر من “القحط” والجفاف السياسي.
وفي حال عدم قبول رئيس الجمهورية إعتذار الحريري لا يعود أمامه سوى تفعيل عمل حكومة تصريف الإعمال، أقله لإقرار الموازنة العامة، “حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا”.