في اليوم العالمي للمرأة: وما هي حقوق الرجال؟

8 مارس 2019آخر تحديث :
ما يسميه الرجال قانوناً طبيعياً ليس أكثر من عودة إلى شكل من أشكال العبودية (Getty)
ما يسميه الرجال قانوناً طبيعياً ليس أكثر من عودة إلى شكل من أشكال العبودية (Getty)
beirut News
[author title=”هبة عبّاني” image=”https://www.almodon.com/file/getimagecustom/0c48400f-8261-4f57-ad43-4c9d55d3cacf/104/118″][/author]
تقتضي الديموقراطية إيجاد حيّز لكافة الفئات لإيصال صوتها، سيّما إذا كانت هذه الفئات تفترض أنّها عرضة لانتهاكات تطال حقوقها الإنسانية. وبالتالي، يجدر بالفئة التي تقوم بالانتهاك أن تكون أذنًا صاغية وملتزمة بالتفاعل الجدّي مع هذه الإدعاءات. فكيف إذا كانت الجهة المنتهِكة هنّ النساء وتحديدًا النسويّات منهن. أليس الإصغاء مطلبهن الأكثر إلحاحًا من الرجال؟ أليست الفضاءات والبنى الخالية من العنف والتمييز رؤيتهن؟ أليست قصص وروايات النساء الغائبة هي مقتلهن التاريخي؟

الخادمة أو “الدور الطبيعي”
ولكن للرجل قصّة جديدة يضيفها إلى مجلّدات التاريخ والجغرافيا والسياسة والعلوم والثقافة والشوارع والمنابر المليئة بمآثره وأثره. وانطلاقًا من نسويتي، سأخصّص هذه المساحة، في اليوم العالمي للمرأة، لقصّته.

“للرجل أيضًا حقوق”. عبارة انتشرت بكثافة في لبنان، خصوصاُ بعد اتخاذ القضايا النسوية حيّزًا اجتماعيًا وسياسًا وإعلاميًا واسعًا، وبعد التغيّر الحاصل في أدوار النساء وتجاوبهن مع الخطاب النسوي، أو على الأقلّ الخطاب الحقوقي للنساء. ليس لهذه العبارة مرجعية فكرية أو مطلبية محددة، بل تقفز في سياقات وأطر متعدّدة. مثلًا، يقول المحامي نزيه شلالا، مؤسس جبهة الدفاع عن الرجل (بالعامية): “انتسى موضوع الرجّال، ما عاد عندو حياة بالبيت، انبسط مرتو عم تشتغل، بس نسيتو ونسيت عطاءاتها للزوج وجلوسها معو، وصارت تكتفي بخادمة”.

يحتلّ شلالا الهواء التلفزيوني لمدّة عشرين دقيقة، يخصّص منها بضع دقائق ليطلب من المرأة فعليًا أن تكون خادمة وإلّا فهي تنتهك حقوقه، حيث يعتبر أن رعاية أموره وحاجاته المنزلية وخدمته حقّا طبيعيًا، إذ يضيف ” ما بدّها تنسى المرا القانون الطبيعي”. أمّا الوقت الباقي فيجتهد فيه لإقناعنا أن لا داعي لنطالب بأي حقوق، بحيث أننا حصلنا عليها جميعًا.

هذا الخطاب يطرح عددًا من الإشكاليًات، فالأستاذ شلالا الذي يريد للمرأة ألا تنسى دورها “الطبيعي”، سعيد، على حدّ قوله، بعملها خارج المنزل. فالرجل لا يمانع إذن بالتغيير في الأدوار، على نحو تكون المرأة شريكة في دور الإعالة، لكنه لا يريد، في المقابل، أي تغيير على مستوى آخر، أو بشكل يتطلّب منه أن يكون أقلّ إتكاليّة واعتمادًا على المرأة، في خدمته وفي القيام بالأعمال المنزلية وتربية الأطفال.

الانتهاك والتحرش
والإشكاليّة في طرح كهذا، ليست متجسدّة بمطالبة الرجال بحقوق معيّنة تخصّهم، بل بالانطلاق من فرضية أن حصول المرأة على حقوقها، ينتهك حقوقهم. وأنّ حجب هذه الحقوق عن النساء يحول دون ذلك. فالنساء مثلًا تطالبن بمنح جنسيتهن لأولادهن، وليس باسقاط هذا الحق عن الرجال، وتطالبن بوقف العنف الموجّه ضدهن وليس بفرضه على الرجال. كما أنّ الزمن لا يكرّس ممارسة كحقّ مشروع أو مكتسب، فالعبودية وإن استمرّت لمئات السنين تبقى عبودية. وبالتالي، فإنّ ما يسميه شلالا وغيره من الرجال قانونًا طبيعيًا، يحتّم على المرأة بحكم “طبيعتها” أن تخضع وتخدم وترعى بشكل مجاني، هو ليس أكثر من دعوة إلى العودة إلى شكل من أشكال العبودية. والعبوديّة إذ تبلغ أوجها، تمنح نفسها حٌّقًا في تكييف وتفصيل وتأطير وتشكيل من تريد استعبادهم بما يتوافق مع مصالحها. فكم ساعة يريد الأستاذ شلالا للمرأة أن تعمل خارج المنزل، وما هي تحديدًا الوظائف المناسبة لها برأيه، وما الوقت المناسب لعودتها إلى المنزل؟ وكما ساعة من الاهتمام والرعاية تكفيه حتى لا يشعر بالمظلومية؟

ولكن، لا بدّ أن نشكر الأستاذ شلالا على صراحته. فما قاله بشكل صريح وفجّ، هو بالتحديد ما يقوله غيره من الرجال في الأوساط الناشطة حقوقيًا وسياسيًا وإعلاميًا، ولكن بأساليب متحذلقة تلبس ثوب “حقّ يراد به باطل”. فقد عبّر أحد الاعلاميين، منذ بضعة أشهر، عن شعوره بانتهاك حقّه على إثر قيام امرأة باظهار صدرها على أحد الأوتوسترادات. وقد اعتبر ذلك تحرّشًا، مساويًا على حدّ قوله، إحليل الرجل بصدر المرأة، مستندًا على “مراجع علميّة” تؤكّد هذه المعادلة. استمرّ النقاش لأيام عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي. اعتبر الإعلامي أن النسويّات ينتهكن حقوق الرجال عندما يتهمنهم بالتحرش، فها هنّ تمارسن التحرّش. أنظروا، هناك إمرأة واحدة أظهرت صدرها عاريًا وأزعجته. بالنسبة له، هذا العري يستفز مشاعره الغريزية، ويوازي تمامًا ذلك الإحليل الذي نُقش في ذاكرة النساء الجماعية والأزلية، كسلاح للاغتصاب في الحروب، وللسيطرة في الشارع والفضاءين العام والخاص. لكن، تعبير الإعلامي عن انزعاجه ليس مشكلة بحدّ ذاتها، فالمشكلة في اعتماده على هذه الحادثة لكي يهاجم النساء اللواتي تفصحن عن أو تفضحن التحرش الجنسي، وباعتبار سلوكهن انتهاكًا لحقّه. وهنا لا بد أن نسأل، ما الذي يزعج الرجل عندما تفصح النساء عن حوادث التحرش الجنسي؟ وكيف يصبح هذا الافصاح انتهاكًا لحقّه؟ وهل المطلوب أن تسكت النساء أو أن تتبنّى تعريف الرجل لمفهوم التحرّش حتى لا يضيع حقّه؟ وهل امتلاك النساء لأجسادهن، وللحقّ في القبول والرفض انتهاكًا؟

النكتة المبتذلة
قد يبدو هذا الكلام للبعض عابرًا وأقرب إلى النكتة منه إلى الجدّية، غير أنّ صداه واسع التمدّد، وقد أصبح خطابًا شعبويًا، يردّده الرجال على الشاشات وفي الصحف والندوات والبيوت والأزقّة والدكاكين والمقاهي.. إلى أن أصبحت عبارة “هلّق صار الرجّال بدّو يطالب بحقّو”، النكتة الأكثر موضة ورواجًا عند كل مطالبة للنساء بحقوقهن، أو عند كل موقف جدلي يحصل بين رجل وامرأة، وهي غالبًا ملحوقة بقهقهة لا تنسجم كثيرًا مع إدّعاء التعرض للقمع، بل تسخّف وتقلّل من شأن نضالات ومعاناة النساء الشرعيّة والمحقّة.

وإذا سلّمنا جدلًا أن هناك رجالًا يتعرضون للعنف من قبل نساء، وهذا أمر وارد بالتأكيد، فالعنف سلوك بشري يمارسه الأطفال أيضًا. ولكن المفارقة التي يتجاهلها الرجال في معرض مطالبتهم “بحقوقهم”، أو بوقف عنف النساء ضدّهم، هي الإمكانية والقدرة التي تكفلها البنية الأبوية للنظام، والمتمثلة بقوانينه وأعرافه ومبادئه الاجتماعية ومؤسساته التعليمية والتربوية والثقافية، والتي، من جهة، تتيح للرجل تعنيف المرأة من دون أي تبعات، ومن جهة أخرى تضمن استرداد حقّه، في حال انتُهك عائليًا واجتماعيًا وقانونيًا. فالعنف هو نتيجة النظم والبنى والمجتمعات والمساحات الهرمية القمعية والعنفية، التي تضع فئة تحت سيطرة وبطش فئة أخرى، تمتلك حصرًا أدوات القوّة والسلطة. فلا مجال للعنف أن يصبح ظاهرة تتخطّى النطاق الفردي، إن لم يهيأ له القبول والأرضية القانونية والمجتمعية والسياسية.

وفي الختام، إلى الرجال: لا تخافوا، وتذكرّوا المحاكم الشرعية التي تحمي ظهوركم. وإلى النساء: لا تخفن، الزمن لا يرجع إلى الوراء

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.