السياسة هي “خبز” الحريري وشرط اقتصاده

17 مارس 2019
السياسة هي “خبز” الحريري وشرط اقتصاده
beirut News

[author title=”منير الربيع صحافي لبناني” image=”https://www.almodon.com/file/getimagecustom/c5b89659-6fe4-4f7f-ad78-39d3329edb56/104/118″][/author]

قرأتْ بعض القوى السياسية في “لقاء بلس” تطوّراً، لا بد من الوقوف عنده، وانتظار ما يمكن أن ينتج عنه. توقيت اللقاء كان لافتاً، بمعزل عن ارتباطه بالانتخابات الفرعية في طرابلس. أن يعود الرئيس سعد الحريري من المملكة العربية السعودية ويلتقي اللواء أشرف ريفي في منزل الرئيس فؤاد السنيورة تحديداً، فهذا يعني أن هناك بعض التفاصيل، التي لا بد من الوقوف عندها باهتمام.

أكثر من انتخابات
صحيح أن المشهد والتوقيت حدثا سابقاً، قبيل الانتخابات النيابية، يوم عاد الحريري من السعودية إلى منزل السنيورة في بلس فوراً، متمنياً على الأخير أن يترشح. وأبى السنيورة خوض المعركة، مفضّلاً البقاء خارج حلبة الصراع والتجاذب، محافظاً على موقفه المعارض للتسوية. يومها، كان السنيورة يفكّر بأن الحريري حريص على التسوية، ولا يمكنه الخروج منها، ومبادرته تجاهه هي عبارة عن ضرورة ظرفية ما قبل الانتخابات، بإيحاء سعودي ولإرضاء جمهوره.

كان السنيورة يعلم أن هناك خسارة لأحد المقاعد في صيدا. فأبى على نفسه أن يدخل في تنافس مع النائبة بهية الحريري. ويومها تصرّف “بعقل كبير”، رافضاً الترشّح بقانون انتخابي وصفه بـ”قانون الغدر” أو الطعن بالسكين.

مجدداً، بعد عودته من السعودية، زار الحريري منزل السنيورة، لعقد مصالحة مع اللواء أشرف ريفي، لترتيب انتخابات طرابلس. نجح السنيورة في جمع الرجلين، وتجنيب “المستقبل” معركة قاسية في طرابلس. فأصبحت المعركة شبه محسومة كما يشتهي الحريري.

لكن هذه المرّة، هناك قناعة عند البعض بإمكانية حدوث تحولات في مواقف الحريري السياسية. فما قبل الانتخابات العامة في أيار الماضي وما بعدها، كان الرجل حريصاً على العودة إلى رئاسة الحكومة. أما بعد تشكيلها، فبإمكانه اتخاذ مواقف أكثر صرامة (إذا ما أراد طبعاً)، من أجل إعادة تعزيز قوته السياسية والشعبية. واللافت أن تحرّك الحريري تجاه السنيورة، جاء بعد حملة طاولت الأخير. لقد وجد الحريري نفسه مضطراً إلى التعاضد داخل بيئته، لأن تصفية الحساب لم تكن محصورة بالسنيورة فقط، بل بإرث رفيق الحريري السياسي. واستمرار الحملة سيكون قابلاً للوصول إليه لإضعافه أكثر، لا سيما أن حملة مكافحة الفساد من بوابة الأحد عشر مليار دولار، كانت تستهدف السنيورة بشكل مباشر.

“انكفاء” حزب الله
أسهمت تلك الحملة بإعادة تعويم فؤاد السنيورة، وتعزيز وضعيته، وإعادته إلى المشهد. فأطلّ بمؤتمره الصحافي، مقدّماً مطالعة مالية بالأرقام، ومطالعة سياسية تعيد وضع النقاط على الحروف، وصولاً إلى مسعاه الناجح بشأن انتخابات طرابلس. طوال الفترة السابقة، عمل السنيورة على تشكيل ظهير مساند للحريري، من لقاءات رؤساء الحكومات السابقين، إلى الدفاع عن صلاحيات رئيس الحكومة، وصولاً إلى التحركات الأخيرة، وما بينهما من تفعيل عمل “مجموعة العشرين” إلى جانب الحريري، وليس في مواجهته.

كانت صورة بلس، والتعاضد بين الحريري والسنيورة للرد على قضية الأحد عشر مليار دولار، بارزة سياسياً، مقابل إنكفاء ظاهري لحزب الله على مدى أسبوعين. هذا الإنفكاء حصل بعد إشادة نصر الله بمدير عام وزارة المالية، الذي خرج وبرّأ السنيورة من الأحد عشر مليار دولار، ما اعتبر رد على نصر الله من الجهة التي أشاد بها. وإلى جانب هذه القضية، كان الردّ المدوي في قضية فتحها حزب الله بوزارة الصحة، بمحاولة لإدانة القوات اللبنانية، ليتبّين العكس فيما بعد. ففضل الحزب التهدئة حاليا،ً وإعادة حساباته، خصوصاً أن الحملة أعادت شد العصب بين خصومه.

نسخة جديدة
منذ أن أعلن سعد الحريري عن نسخة سياسية جديدة له، وهو يكتشف كل يوم جانباً جديداً في هذه النسخة. تفرض عليه الوقائع، متغيرات في لغته، ومبادرات عملية مختلفة. هو الذي قال إن السياسة لا تطعم خبزاً، بل الاقتصاد هو الأساس. وهي عبارة مفتاحية عنده للتأكيد على استمراره بالتسوية، التي عمادها التفاهم الاقتصادي. لكن في المقابل، وجد الحريري نفسه مضطراً إلى بعض التصلب السياسي أيضاً، مكتشفاً أن السياسة هي “خبزه” اليومي المحتاج إليه دوماً، وعند كل محطة وفي كل موقف وعمل، لتعزيز وضعيته في السلطة وفي التركيبة الاقتصادية. وعليه، فإن الحريري في المرحلة المقبلة، لن يكون المتنازل دوماً في السياسة وفي الثوابت.. في سبيل الاقتصاد. وتجربة الأشهر الأخيرة، من المفترض أن تكون قد فعلت فعلها، ليتأكد بأن السياسة في اليد المقبوضة والمرفوعة، يجب أن تكون موازية لسياسة اليد المفتوحة والمتساهلة اقتصاداً وتسويات.

المدن