خاص : الإرهاب بين المصطلحات اللغوية وبين الإعلام الغربي والسياسي…!

19 مارس 2019
خاص : الإرهاب بين المصطلحات اللغوية وبين الإعلام الغربي والسياسي…!
beirut News

[author title=”نعمت الرفاعي ” image=”http://”][/author]

الإرهاب… هي الكلمة الأبرز والأقوى إعلاميًا ودوليًا عند أي مجزرة دموية تقع في أي بقعة من أنحاء الكوكب الأرضي.. ولكن هل سأل أحد منا إن كانت تلك العبارة صائبة أم أن تداولها خارج نطاقها اللغوي للكثير من الدول الحافلة بالعبارات الكبيرة وتتخطى ثقافيا الدول الناشئة حديثا..
ولعل أكثر اللغويين العرب سابقا كانوا لا يديرون آذانا لكلمة إرهاب لعدم وجودها على قاموس الكلمات القاسية والمرعبة قبل ١١ من سبتمبر ٢٠٠١.
فالكثير من مثقفينا، يدركون إخفاق الإعلام لصالح مشاعر المسلمين، حتى أنه لا ينصف الإسلام دينا ومجتمعا من شجب وتحقير تحت إملاءات الغرب وإرضاءه..
فمثلا عندما روجت العربية تسويقًا لكلمة السفاح أو القاتل المجرم بدل الإرهابي. فقامت موجات من الغضب العارم اتجاه عدم تبني كلمة إرهابي ضد قائد مجزرة المسجدين في نيوزيلندا في اليومين الأخيرين…
ولو فكّرنا بالرجوع إلى الفروقات اللغوية بين كلمتي الإرهاب والسفاح، لأدركنا الفرق الشاسع، ولعلمنا أن استخدام البديل كان الأقوى وأنه التعريف الحازم الجازم…
فالإرهاب لغة واصطلاحاً، مأخوذة من رهب بكسر الهاء، يُرهب رهباً، وهو بمعنى الخوف مع التحذر والاضطراب. وتعادلها بالإنجليزية كلمة (terror) وهي الأكثر شيوعاً وأصلها لاتيني (terr). وكلمة (Terrorism) تقابلها إرهاب بكسر الهمزة بمعنى الإزعاج والإخافة. وفي الغرب معني (Terrorism) مأخوذ من الفارسية وتعني الإرهاب أي التخويف.
والتخويف في الدين ليس محرمًا، أو ممنوعًا كما يظن البعض فهناك نصوص قرآنية أتت بالكلمة مثلاً (.. ترهبون عدو الله وعدوكم.. الأنفال 60) ، ولكن خارج النطاق الحالي لمعانيها النافية للإنسانية.
فنحن نربي أطفالنا على الحذر دائما والخوف حتى لا نقع في أخطاء تؤذي إيماننا و معتقدنا و أخلاقنا الإنسانية، فالمعلمة قد تلجأ للترغيب والترهيب في تعليمهم قوانين المدرسة والحياة وتأهيلهم للمجتمع الآكبر على مبدأ الثواب والعقاب أيضًا، والقاضي يقوم بترهيب المجرم بدفع الكفالات المادية والحبس ولو كان جرمًا بسيطًا حتى لا يعود لهذ الجرم مجددًا، وتخويفنا من فكرة الرذائل والآخرة حتى لا نؤذي أولاً انفسنا وثانيًا حتى لا يعتدي أحدنا على الآخر بأي وسيلة كانت… ولطالما الدول المنتظمة والمتحكمة بقوانينها هي من أولى الدول التي تستعمل الترهيب لضبط مجتمعاتها من التفلُّت وانعدام الأخلاق حتى لو كانت تتغنى بمدنيتها البعيدة عن الدين…
فأتت كلمة بمعنى من يكثر سَفْك الدِّماء، يتّصف بالقتل غير المبرَّر وسفاح الدماء أي سافك الدماء، سفّاك، مجرم، قاتل. ويقابلها بالإنكليزية (The Ripper) وهي في الأصل تهدف إلى معنى آخر وهي تكسير وتفتيت الحصى وما شابه..
وأغلب الظن يلجأ الإعلام الغربي لكلمة الإرهاب ككلمة بديلة لكلمة سفاح لعدم توفر مصطلحات غنية كغنى ثقافاتنا ولغتنا.
وبما أنه عالميا ارتبطت كلمة إرهاب والتصقت بالإسلام بسبب هيمنة الغرب على الفكر العالمي، وانجرار المتغربين او المتفرجنين وانهماكهم في إبراز سماحة الدين عبر التودد والتملق من ساسة ومجتمعات وشعوب، فإن كلمة سفاح تعلقت بأشخاص تاريخيين لن ينساهم الزمن وبالتالي شتان بين الفكرتين من الناحية البنيوية وأبعادها المعنوية. فإن أتينا على معنى العبارتين لوجدنا أن سفاحًا هي الكلمة اللغوية الأفضل لإراقة الدماء الغير مبرر، بسبب العصبيات الدينية والنفسية الشاذة التي تجعل من الإنسان وحشا كاسرا يدمر كل من يعترض طريقه ويقضي على كل أنواع العيش المشترك وكل بهجة للحياة.

فالسؤال المطروح لماذا يتبنى الإعلام العربي كلمات غربية تتناقض مع الواقع؟ وهل نحن فعلا يلزمنا مصطلحات إضافية رغم غنى المصطلحات لدينا؟
ولماذا الشعب يرفض الا أن يضم كلمات الغرب ليراشقوهم بها؟ وهل فعلاً إنّ كل إرهابيٍّ هو إرهابيًا أم أن يتعداه لسفاحٍ وقاتلٍ ومجرمٍ سافكٍ لدماء الأبرياء؟
وهل يكون كل إعلاميٍّ إعلاميًا حقًا رغم اقتباساته للغات الآخرين و قلة إطلاعه على مكونات لغته، وعدم توفر معرفة شاملة لمصطلحات اللغة العربية ومكانها الصحيح؟ هل يعتبر كل صحافي قام بترجمة حرفيةٍ لمقالاتٍ أجنبيةٍ ليزرع السم الذي أرادوه في نفوسنا وطنيًا عربيًا أم أنه أجير لتلك الدول ومقرراتها في زرع الشرذمة لتمهيد الانسلاخ عن المجتمعات وتمزيقها والتفرقة بيننا؟
والسؤال الأكبر أين اللغوييين من هذه المأربة، ولماذا وقفوا صامتين إيذاء الهجوم اللغوي على مصطلحاتنا وقلبها وقلب معانيها رأسا على عقب؟ وهل هذا التضليل اللغوي هو جزء بسيط من التضليل السياسي والإعلامي الذي نعيشه!؟

أليس عارًا علينا ونحن اخترعنا الشعر من قوة البادية، والحناجر القوية التي تصدح من جبروت الجبال، وثقافة تمتد من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.. بأن نتعلق بمصطلحات أخرى وخاطئة في آنٍ واحد…
ألا يخجل الإعلام العربي من زيفه وأقنعته، متى سيخلع عنه رداء الإرهاب العالمي؟ ومتى سيصبح قادرا على أن يُسمَّى إعلامًا عربيًا بحت بعيدًا عن التبعية والإرهاب الفكري والثقافي الذي يسيطر عليه..
سيتحرر وطني فقط، عندما يتحرر قادته وسياسوه من سطوة الغرب الفكري الثقافي…
وهنا يكمن التساؤل الأخطر… هل سنتحرر !؟