الشيخ النابلسي في لبنان ومشهد العصبية السنّية المأزومة

18 أبريل 2019
"العصب الديني"، لا يزال هو المحرك الوحيد، لأيّ غضبٍ شعبيٍ في لبنان
beirut News

[author title=”جنى الدهيبي” image=”https://www.almodon.com/file/getimagecustom/314f247a-31be-4387-8e23-cbc5d33e5730/104/118″][/author]

مجدداً، من بيروت إلى طرابلس، شهد الشارع السّني بلبنان في اليومين الماضيين، انقسامًا “افتراضيًا” حادًا، سياسيًا وعقائديًا، كاد أن ينتقل إلى الشارع، وعنوانه هذه المرّة: العلّامة الشيخ محمد راتب النابلسي.

شرارة الانقسام، الذي تحوّل إلى سجالٍ عنيف، بدأ من بيروت أمام مسجد الأمين، عقب محاضرةٍ ألقاها الشيخ السوري النابلسي لحشدٍ من الحاضرين في المسجد. ولدى خروجه بمآزرةٍ أمنيّة، كان يترصده عددٌ من الشبّان التابعين لـ”جمعية المشاريع” (الأحباش)، تهجموا عليه كلاميًا، ولقّبوه بـ”الكافر” قائلين: “اتّقي الله يا كافر”. هذا الموقف، وُثّق بفيديو انتشر كالنار في الهشيم، وكان كفيلًا أن يُخرج إلى العلن انقسامًا عقائديًا سنيًا – سنيًا، شعاره “التكفير”. والعلامة الشيخ الذي جاء من سوريا إلى لبنان، بهدف عقد ندوتيّن، واحدة في بيروت عنوانها “بالعلم والإيمان تنهض الأوطان” وأخرى عن “أثر الإيمان في تربية الأجيال” مقرر عقدها يوم الخميس 18 نيسان في طرابلس، ربما لم يكن عارفًا بالمنحى الذي تسلكه الأمور على الطريقة اللبنانية.

“المؤامرة”
السجال السّني – الحبشي، لم يبقَ ضمن الإطار العقائدي، الذي استند عليه الأحباش للتحذير من الشيخ النابلسي وتكفيره. فقد جاءهم الردّ “السّني” من جمهور النابلسي، سياسيًا. وتحت شعار “موالو نظام الأسد في لبنان يتهجمون على الشيخ النابلسي”، بدأ الهجوم عليهم، تذكيرًا بولائهم ودعمهم الكاملين للنظام السوري وحزب الله في لبنان، كنوعٍ من الإدانة لهم.

لم ينتهِ الإشكال عند هذا الحدّ في بيروت، وإنّما انسحب على طرابلس  بنوعٍ آخر، ليأخذ شكل “المؤامرة”. ومن التكفير العقائدي والسياسي، كانت الأزمة المتعلقة بزيارة الشيخ النابلسي لطرابلس، هي بقاعة المؤتمرات في معرض رشيد كرامي الدولي.

كانت الرواية المتداولة أنّ مجلس إدارة المعرض، رفض فتح أبواب قاعة المؤتمرات للشيخ النابلسي. وعلى إثرها، بدأت حملات الهجوم الشعبية على إدارة المعرض، التي يديرها رسميًا مديرها العام أنطوان أبو رضا. لم تقتصر حملات الهجوم بالسؤال مثلا “أين رجالات المدينة وعمائمها وقيادتها”، وبتوصيف إغلاق القاعة بالتآمر، والخذلان لـ”مسلمي المدينة”، ومقارنته مع فتح المعرض أبوابه للمهرجانات والحفلات الغنائية، وإنّما بلغت الحملات حدّ الهجوم على سبب إخضاع مجلس إدارة المعرض لوصاية سلطة وزارتي الاقتصاد والمالية.

ندوة الشيخ النابلسي في طرابلس، تقيمها ثانوية روضة الفيحاء، ضمن فاعليات معرض الكتاب الدولي في طرابلس. وبعد اتهام مجلس إدارة المعرض بـ”الامتناع” عن استقبال الشيخ النابلسي، وتعرض على إثره لهجومٍ شرس، صرّح المستشار السياسي لرئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، الدكتور خلدون الشريف، أنّه درءًا للسجال العنيف الحاصل، وبـ”توجيه من الرئيس نجيب ميقاتي، تواصلت مع مدير المعرض الذي أبدى تجاوبًا وتعاونًا”، وأبلغه أنّه ملتزم بالقرار الذي ابلغه للجنة المنظمة، وأنّ قاعة المؤتمرات جاهزة لاستقبال الشيخ النابلسي، ضمن الشروط والقوانين المرعية الإجراء في مناسبات كهذه.

لكن، ما حقيقة ما حصل مع مجلس إدارة معرض رشيد كرامي الدولي؟
في الواقع، تبدو أنّ الرواية الحقيقية في مكانٍ آخر، رغم كلّ ما أثير حولها. يشير مصدر رسمي في معرض رشيد كرامي الدولي لـ”المدن” أنّ ثمّة ظلمًا كبيرًا لحق بهم في هذه الحملة التي شُنّت ضدّهم، لا سيما أنّ إدارة المعرض لا علاقة لها في هذه القضية الخلافية. وما حصل في الحقيقة، هو أنّ رئيس الرابطة الثقافية رامز فري، المسؤول عن فعاليات معرض الكتاب الدولي في طرابلس، كان من ضمن برنامجه المُعلن هو ندوة للشيخ النابلسي. وعندما جاءت إدارة ثانوية روضة الفيحاء، لتفقد القاعة المخصصة للندوة، وجدت أنّها لا تستوعب أكثر من 400 شخص، بينما من المتوقع أن يحضر أكثر من ألفي شخص. طلبت إدراة الثانوية من فري إجراء الندوة في قاعة المؤتمرات، فكان ردّه أنّها غير مدرجة ضمن العقد الموقّع، وأنه قانونيًا يجب الرجوع إلى إدارة المعرض من أجل الحصول على إذنٍ منها. و”عند الرجوع إلينا يوم الإثنين الفائت، أبلغنا الفري أنّ فتح قاعة المؤتمرات، يحتاج قانونيًا إلى قرارٍ من مجلس الإدارة وموافقة مصدقة من وزارتي الوصاية المالية والاقتصاد، وهذا الأمر لا ينتهي بغضون يومين فقط قبل الندوة. ومع ذلك، أعطينا وعدًا أن نجد حلًا مع ثانوية الروضة. وعندما اقترحنا عليه أن يوسّع نطاق القاعة من دون أن نضيف عليه كلفة مالية، كان ردّه أنّ الأمر لا يناسبه لوجستيًا”.

في اليوم التالي، صُدمت إدارة المعرض بالهجوم عليها على مواقع التواصل الاجتماعي، واتهامها بالتواطؤ في منع إقامة ندوة الشيخ النابلسي، مقابل نقلها إلى قاعات إحدى المساجد. وفي ظل الهجوم، وافقت إدارة المعرض على اتخاذ قرارٍ استباقي، بإرسال كتابٍ إلى وزارتي الوصاية، وعقد الندوة في قاعة المؤتمرات، على أنّ يتحمل كلّ واحدٍ مسؤوليته. لكنّ إدراة الثانوية تقدمت بالشكر، وأشارت أنّها وجدت مكانًا بديلًا لعقد الندوة. ورغم ذلك، “تفاجأنا باستكمال الهجموم علينا رغم مبادرتنا واجتهادنا القانوني الإيجابي تيسيرًا للندوة، من دون أخذه بعين الاعتبار، قبل أن يتواصل معنا الشريف والعودة إلى قرار فتح أبواب قاعة المؤتمرات”.

بعد إعلان فتح أبواب قاعة المؤتمرات لندوة الشيخ النابلسي، أخذ السجال منحى “الإنتصار” على إدارة المعرض، التي لم تُعارض في الأصل إلّا من منطلق الإجراءات القانونية الخاضعة لها، لا سيما أن فتح قاعة المؤتمر يشترط قانونيًا دفع بدلٍ ماليٍ لاستئجارها.

وفي ظلّ الحماسة الطرابلسية “اللافتة” في استقبال الشيخ النابلسي، الذي يشتهر فيما بينهم بسعة إدراكه وهدوء حديثه، كان كلّ هذا السجال العنيف لحضور ندوته، الذي عقب قبل أيام انكفاءً ومقاطعةً للمشاركة في الانتخابات الفرعية في طرابلس، مؤشرٌ واضحٌ أنّ “العصب الديني”، لا يزال هو المحرك الوحيد، لأيّ غضبٍ شعبيٍ في لبنان، رغم كلّ المآسي التي نعيشها، من دون أن تحرك ساكنًا.

المدن