«وحش فلتان» في الأشرفية!

28 مايو 2019آخر تحديث :
«وحش فلتان» في الأشرفية!

Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/beirutnews/public_html/wp-content/themes/newsbt/includes/general.php on line 742
beirut News

[author title=”جوزيف طوق” image=”http://”][/author]

لاداعي للهلع أبداً، لكن حتى هذه اللحظة، لم يتأكّد بعد جنس أو هوية الوحش الذي تمّ رصده في منطقة الأشرفية. وليس واضحاً إذا كان حيواناً مفترساً هارباً من سيرك متجوّل، أو مخلوقاً خرافياً يلاحق إحدى ضحاياه… لكن من المؤكّد أنّ ما تمّ مشاهدته في الأشرفية هو بلا شكّ مخلوق غريب هارب من منازلنا، ومن مجتمعاتنا وعائلاتنا وثقافتنا ومدارسنا وحاناتنا وشوارعنا، وقد تمّ القبض عليه ووضعه تحت الإقامة الجبرية في مسرحية «الوحش» في مسرح «بلاك بوكس»، ويقدّم عروضاً تُخيف وتُضحك وتُبكي وتنتشل أوجاعاً وتفتح جراحاً وتثير حنيناً وتُرغم كل من يراه أن يفكّر ويحسّ، وينظر إلى داخله وينتفض.

لكن هذه الأيام، من يخاف من الوحش، فبتنا محاطين بالوحوش من كل الاتجاهات… وحوش في التمثيل، وحوش في الغناء، وحوش في الإبداع، وحوش في المواقف، وحوش في السياسة والتشريع والقيادة والتغيير والتنظيم. وحوش وحوش في كلّ مكان ولا أي واحد نخاف منه، باستثناء ذاك الذي خلقه المخرج جاك مارون في مسرحه، ولقّنه درسه وعلّمه خطواته وأطلقه ليُشعل خوفنا من الأشياء التي نتخاوى معها ونتعايش مع مصائبها في حياتنا اليومية.

قبل المسرحية هناك المسرح. فداخل «محترف الفنانين» في الأشرفية، خلق المخرج جاك مارون مساحة صغيرة لا تتّسع لأكثر من 45 مقعداً، سرعان ما تتحوّل تجربة فريدة فور ظهور الممثلين. فلا مسافة بين المشاهدين والممثلين ولا خشبة ننتظر سماع خبط الأرجل عليها، كما لو أنّ هذه المساحة الصغيرة والحميمة في آن، تحوّل صدور المشاهدين إلى الخشبة… ويتعدّى مارون كونه مخرج العمل فقط، وإنما يتجرّأ أن يصبح وحشاً في إخراج الكراسي ومَن عليها، وإخراج تفاعلهم وحماسهم وترقّبهم، فلا يقدّم لهم عملاً يشاهدونه، بل حالة كاملة يعيشونها.

كارول عبّود (برتا) ودوري السمراني (داني) وحشان فالتان في البطولة، يلتقيان صدفة ببعضهما وبنا أيضاً، ويتشاركان مع بعضهما ومعنا قصّة حياتهما، ويحاولان طيلة العرض الهرب من ألم موروث عن تربية مريضة، ومجتمع ظالم، وأهل جهلة، وتاريخ قاحل لا يوعد بقطرة ماء واحدة تروي مستقبلهما العطشان إلى كلمة حلوة، أو شوية حنيّة وغمرة حبّ تمحو موروثات نفسيةٍ أكلاها مع منقوشة الزعتر لسنوات طويلة.

كارول عبّود (برتا) تقدّم دوراً في المسرحية لا تتّسع له كاميرات الدراما، ولا يكترث أبداً لآراء نقّاد غبّ الطلب. فقد استطاعت ببراعة نادرة محليّاً أن تخلق كاراكتيراً بوجوه وأصوات وحالات عدة، ومثّلت كما لو أنّ لا أحد يراها. فمنذ البداية حتى الختام، تسلّقت تعقيدات شخصيتها وارتفعت عالياً في أدائها، لتسقط كالمطرقة على رؤوسنا مراراً وتكراراً وتسمّرنا أكثر في كراسينا، وتصفعنا بشدّة على خدّ ذوقنا وتقول لنا… هكذا يكون التمثيل.

أمّا دوري السمراني (داني)، الذي اعتدنا متابعته في الأعمال الدرامية، قطع شوطاً كبيراً بين كاراكتيرات الشاشة وتحفة المسرح، ففاجأنا بقدراته على عيش كاراكتير صعب ومعقّد، وتمسّكه المستميت بتفاصيل الشخصية. فكان يتحرّك ويتعرّى ويغضب ويلين ويتمختر بجنونه بسلاسة غريبة.

قدّم جاك مارون «الوحش»، ووضعه أمام أعيننا كمرآة تفضح الوحوش التي تحيطنا وتربّينا وتعلّمنا وتهذّبنا وحتى تعيش فينا. وبلعبة ماكرة بالإضاءة والسينوغرافيا الذكية، أخذنا إلى غرفة نوم نشاهد فيها بأعيننا المفتوحة الكوابيس التي نهابها ونحن مغمضون. وبنظرة إخراجية تقدّمية، جعل حتى تغيير الديكور في العمل جزءاً منه، كما لو أنه يقول بريشة الرسّام رينيه ماغريت: «هذه ليست مسرحية».

الجمهوريه

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.