بقلم عماد الدين أديب – شبه تفاوض يؤدى إلى شبه تسويات

19 يوليو 2019
بقلم عماد الدين أديب – شبه تفاوض يؤدى إلى شبه تسويات
beirut news

علم التفاوض كان، وما زال وسيظل، من الوسائل لتسوية الصراعات بين الدول، والقوى، والمؤسسات، وأصحاب المصالح المختلفة.

وما نشاهده هذه الأيام من عمليات تفاوض محلى وطنى، مثل اتفاق المجلس العسكرى وحركة الحرية والتغيير، أو تفاوض المؤسسة العسكرية وقوى المجتمع المدنى فى الجزائر، أو وساطات المبعوثين الدوليين فى اليمن وسوريا وليبيا هو تطبيق عملى لعلم التفاوض لحل الصراع والتوصل لتسوية.

وما يحدث الآن من أخذ ورد علنى وقنوات وساطات وحوار سرى عبر قنوات خلفية أو وسطاء علنيين بين إيران والولايات المتحدة هو تطبيق آخر عملى لعلم التفاوض.

ولكن ما جوهر علم التفاوض؟

يستهدف علم التفاوض السعى إلى تجنب الصراع بين طرفين أو أكثر عبر الحوار بهدف التوصل إلى تسوية مقبولة أو مُرضية للأطراف.

وعلم التفاوض هو أى شكل من أشكال التعامل مع الأزمات، وهو ليس الأداة الوحيدة فهناك نظريات أخرى مثل: نظرية الردع، ونظرية الصراع، ونظرية المباريات »أى التبارى بين الأطراف« ونظرية التحالفات، ونظرية الواقعية العملية وغيرها.

وما نشهده من تعثر فى المفاوضات هو سعى الأطراف الدائم إلى تعظيم حصة ومكاسب كل طرف من ناتج التفاوض عن طريق تحسين شروط التفاوض ودخول المفاوضات بأكبر قدر من أوراق القوة ووضع الطرف الآخر تحت أكبر قدر من الضغوط وتجريده من أى أوراق أو أدوات الضغط المضاد أو الرد.

ولدىّ وجهة نظر خاصة بى لا أعتقد أننى أدعى أنها صواب مطلق، لكنها اجتهاد يحتمل الصواب أو الخطأ، وهى أن التفاوض الناجح الذى يقوم على »ضغط الضرورة الملحة« فى عالمنا العربى ينتهى فى معظم الأحيان إلى نتائج كارثية، لأنه »سلوك تكتيكى لا يعكس رغبة أصيلة فى التوصل لتسوية جذرية ونهائية ولكن هو سلوك ضرورة مؤقت يسعى لرفع ضغط أو ضغوط لا تحتمل يتم التخلص من أعبائها الآن بأى ثمن لتجنب الكلفة العالية للأزمة.

تنجح المفاوضات حينما تكون صادقة جذرية تأسيسية، مثل تفاوض العدالة الانتقالية بين البيض والسود فى جنوب أفريقيا، أو بين »الهوتو والتوتسى« فى رواندا، أو تفاوض توحيد الشرق والغرب فى الألمانيتين عقب سقوط جدار برلين.

وتفشل المفاوضات حينما تصبح تكتيكية، مثل مفاوضات سوريا أو ليبيا أو اليمن أو القوى الموقعة على اتفاق الطائف.

هناك مفاوضات لإحداث تسوية، وهناك شبه مفاوضات تؤدى إلى شبه تسوية.

لذلك كله، اعذرونى، أنا لا أشعر بطمأنينة للمفاوضات التى يعلن عنها هذه الأيام، لأنها ليست سوى شبه مفاوضات لن تؤدى إلا لشبه تسوية، ثم ينفجر الموقف.