“الحريري القوي”… شعار المرحلة المقبلة

17 أغسطس 2019
“الحريري القوي”… شعار المرحلة المقبلة
beirut news

أمين القصيفي

تكتسب زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الولايات المتحدة واللقاءات التي عقدها في واشنطن أهمية بالغة، في هذه اللحظة المفصلية من التصعيد المتواصل في المواجهة القائمة بين واشنطن وإيران وحلفائها، وفي مقدمتهم حزب الله، وما يمكن أن ترتبه انعكاساتها على لبنان ومستقبل الوضعين السياسي والاقتصادي فيه.

وتعتبر مصادر سياسية مراقبة لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، أن “الاستقبال الذي حظي به الحريري والمسؤولين الذين التقاهم والمواقف التي أعلنوها، وفي مقدمتهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ورئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس الذي أعلن عن (ارتياحه بعد لقائه الحريري وأن البنك يتطلع إلى دعم النمو اللبناني والاستقرار الاقتصادي)، يعكس دعم الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي لموقع الحريري وشخصه والجهود التي يبذلها. وذلك بالمقارنة مع زيارة وزير الخارجية جبران باسيل قبل أسابيع التي طبعتها العزلة التامة بعد رفض أي مسؤول أميركي لقاءه”.

وتنصح المصادر ذاتها أن “يباشر البعض في الداخل اللبناني بالاستعداد للتكيّف في المرحلة الجديدة المقبلة، ولو على مضض، مع شعار (الحريري القوي)، ولو من دون إعلان صريح”.

من جهته، يؤكد المحلل السياسي الياس الزغبي في حديث إلى موقع “القوات”، أن “الحدثين الكبيرين اللذين حصلا في الأسبوعين الماضيين، أي مصالحة قبرشمون ـ البساتين ثم محادثات الحريري في واشنطن، من شأنهما أن يضعا حدا فاصلا بين ما كان وما سيكون. فالمرحلة المقبلة ستختلف عمّا سبقها لجهة وضع الأمور في نصابها الصحيح بالنسبة إلى الميزان السياسي الذي كان مكسوراً داخل لبنان، واستطراداً إعادة التوازنات إلى عقلانيتها أو إلى وضعها الطبيعي في المنطقة”.

ويعتبر الزغبي أن “المرحلة المقبلة بعد هذين الحدثين، ومع عودة الولايات المتحدة القوية إلى الملف اللبناني، ستشهد نوعاً من الانكفاء المزدوج: من حزب الله من جهة، وحليفه العهد من جهة أخرى. وقد بدأت تباشير هذا الانكفاء بالظهور منذ تمت مصالحة قبرشمون تحت الضغط الأميركي الواضح غير المناقَش في هذه المسألة عبر بيان السفارة الأميركية وعبر الموقف العام للإدارة الأميركية”.

ويرى أن “حزب الله بات مضطراً الآن تحت الضغطين الأميركي والدولي إلى تخفيف الضغط عن الحكومة اللبنانية. وهنا يظهر بوضوح مدى حرج العهد الذي لا يستطيع بعد الآن أن يستغرق في جرّ لبنان إلى المحور الإيراني، خلافاً لعقود طويلة من السياسة الخارجية للعهود المتعاقبة التي كانت تأخذ في الاعتبار انتماء لبنان إلى بيئتيه العربية والدولية”.

ويتوقع أن “تخفّ الوصاية التي يفرضها حزب الله على بعض الملفات السياسية الأساسية، وأن تتنفس الحكومة وتعود إلى العمل الأقرب إلى الطبيعية في المرحلة المقبلة”. لكنه يلفت إلى أن “هذا لا يعني أن أزمة حزب الله ستنتهي خلال الأسابيع المقبلة، إنما المسألة تتجه أكثر فأكثر إلى انحسار الضغط والنفوذ الإيرانيين في المنطقة تحت ضغط العقوبات والإجراءات الأميركية، وهذا سينعكس طبعاً على الحلف الثنائي القائم ما بين حزب الله والعهد”.

ويؤكد الزغبي أنه “من الواضح أن الحريري يعود من واشنطن مرتاحاً أكثر إلى مسار الوضع السياسي الداخلي. لأنه، لم يحصل فقط على ضمانات أميركية إيجابية باستمرار واشنطن في مساندة الوضع الاقتصادي اللبناني بشكل أو بآخر عبر سيدر والبنك الدولي أو بوسائل مختلفة، إنما كذلك سيستمر دعمها للجيش اللبناني والمؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية. وهذا يطمئن رئيس الحكومة ويجعل حزب الله ومعه العهد طبعا في موقف حرج أكثر”.

توافق مصادر دبلوماسية لموقع “القوات”، على أن “رئيس الحكومة تلقى دعما أميركيا واضحا في واشنطن، وقد نكون أمام مرحلة جديدة في ما يتعلق بإعادة رسم حدود اللعبة الداخلية بتوازنات أكثر منطقية”. وتلفت إلى أن “الدعم الأميركي يأتي من مصلحة أميركية مباشرة في المحافظة على الاستقرار بظل المواجهة التي تخوضها واشنطن مع النظام الإيراني وحلفائه”. لكنها تشدد على أن “هذا الدعم مرتبط بسلسلة اجراءات سياسية واقتصادية واصلاحية مطلوبة بإلحاح من الحكومة للنهوض بأوضاعها، مع الاعتراف بأنه موقف يعني بالتأكيد أن لبنان ليس متروكاً لقدره لقمة سائغة في فم ما يسمى محور الممانعة”.

وتعتبر المصادر ذاتها أن “إعلان بومبيو الصريح أن (المنطقة مهددة من قبل إيران والشعب اللبناني مهدد بما يقوم به حزب الله نيابة عنها)، يعكس الموقف الأميركي الثابت في تشديد العقوبات عليهما. كما يؤكد موقفه ألا تراجع أو ليونة في هذا الأمر، بل إن بعض المعلومات تشير إلى أن العقوبات تتجه لتطاول حلفاء لحزب الله من بيئات وتيارات مختلفة، يساعدونه في التحايل على العقوبات لتأمين تمويل أنشطته بعد الضائقة الاقتصادية التي يعانيها بفعل شح التمويل الإيراني”.

من جهته، يعتبر الزغبي أن “كلام الحريري عن قضية رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، وأنه ليس وحده، وأنه يسانده مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وآخرين، يعيد خلط بعض الأوراق. بمعنى أن الاصطفاف السابق (8 ـ 14 آذار) بات متنوعاً الآن في ظل كلام الحريري. فالرئيس بري التزم بوضوح في الآونة الأخيرة الموقف الأقرب إلى جنبلاط وإلى الحريري وطبعا القوات في قضية قبرشمون وإحالتها إلى المجلس العدلي”.

ويشدد على أن “كلام الحريري لم يكن من باب الكلام الذي يطلق على عواهنه من الموقع الذي أُطلقه منه، أي من العاصمة العالمية واشنطن، بل إنه يعني ما يعنيه في إطلالة توقُّع لما ستكون عليه المرحلة المقبلة. بمعنى أن هناك انكفاء مزدوجاً لا بد أن يلجا إليه حزب الله ومعه العهد في الملفات الداخلية بتخفيف الضغط على الحريري وعلى سائر أطراف الحكومة، فلا يعود هناك السيف المصلت، سواء تحت حجة الثلث المعطل أو بعض تفسيرات وتعديلات للدستور كما شهدنا في المرحلة الأخيرة. كل ذلك سيوضع على الرف، وتعود الحكومة إلى نوع من السياق الطبيعي الذي يتفادى إلى حد ما انعكاسات التطورات وإعادة رسم التوازنات في المنطقة ككل”.

أما المصادر الدبلوماسية، فتشير لموقعنا إلى أن “واشنطن تثق بمؤسسات أكثر من غيرها في لبنان”، لافتة إلى أن “هذا ما بدا واضحا من خلال تأكيد بومبيو على (استمرار بلاده في دعم المؤسسات التي تتمتع بمصداقية وهي ضرورية للمحافظة على استقرار وأمن وسيادة لبنان ولتوفير كل احتياجات الشعب اللبناني)، في إشارة إلى الجيش وسائر القوى الأمنية”.

وترى المصادر الدبلوماسية أن تأكيد بومبيو (استعداد بلاده للمشاركة كمسهلين ووسطاء في متابعة النقاط المتبقية والمتعلقة بالخط الأزرق والحدود البحرية اللبنانية ـ الإسرائيلية)، وتنويهه بموقف الحريري في هذا الخصوص، يعكس مدى اهتمام واشنطن بالاستثمار في قطاعي النفط والغاز، ويضع ميزة إضافية على جدول الاهتمام الأميركي بالاستقرار في لبنان انطلاقا من مصلحة أميركية اقتصادية مباشرة”.