كيف يمكن أن نشرح للعونيين من هي سهى بشارة؟

17 سبتمبر 2019
كيف يمكن أن نشرح للعونيين من هي سهى بشارة؟
beirut news
“مين إنتي؟”

بهذا السؤال الذي يفترض جوابه المسبق إنكار من تكون، أفلتَ العونيون بفوقيتهم كلها على سهى بشارة.
هم مذ وصلوا إلى السلطة، بقدرات حلفائهم وخصومهم معاً، تفاقم نزقهم حتى صار من المستحيل تحمّلهم، أو مناقشتهم. صاروا أشبه بأولاد أفسدهم دلال أهلٍ أصابهم عِزُّ سلطة طارئ لم يستوعبوه. هجموا بأفواه جائعة وتتخطى بذاءتُها الشتيمة المباشرة إلى توضيب التاريخ والسياسة والثقافة بين عملاقيهم، ميشال عون وجبران باسيل. أما كل آخر لم يقتنع بعمق فكرهما، لم يؤيدهما، تجرأ على نقدهما ونقد حالتهما المستشرية، فهو شخص بلا ماض ولا حاضر ولا قيمة. نكرة وحاقد.

لا أحد يهتم بتصويب هذا المسار المختل للعونية السياسية. إنهم أسرع فصيل لبناني وصولاً إلى السلطة، ويحفر أسفل قدميه ليغرق في شر أفعاله. لا شيء في لبنان يبقى على حاله كما نعرف. وليس من عادة الأطراف أن ينتشلوا بعضهم بعضاً من الحفر، بل على العكس يمد الجميع يد العون في تعميق الهوة، ليطمئنوا إلى أن الذي وقع فيها لن يخرج منها.

الدرس الأخلاقي، صغيراً كان أم كبيراً، ترفٌ لا تدّعيه هذه السطور. الشتيمة في العادة لا تقابل إلا بالشتيمة. الجهد العبثي الذي تبذله هذه السطور هو في أن تجيب عن سؤال “من أنت؟” بسؤال آخر: كيف يمكن أن نشرح للعونيين من هي سهى بشارة؟

لا يوجد في هذا اليمين الشعبوي المتطرف الذي تقبع فيه الحالة العونية الآن ما يمكن أن يرقى لأن يقارن بسهى بشارة. لا شخص ولا عهد ولا صهر لكي يفهموا من هي. لكن يمكن القول، مثلاً، إن سهى، بهشاشة فرديتها، وبحريتها، أقوى من العهد القوي. أنها أبقى منه ومن عهود سبقته وأخرى ستلحقه. يمكن القول إنها أكثر وطنية وحرية من الأحزاب عامة، ومن التيار الوطني الحر خاصة. وهي لبنانية أكثر من أكثرنا لبنانية. أكثر لبنانية من  حملة الجينات الفينيقة الصافية. وتاريخها راسخ، ليس كفعل مقاومة فحسب، بل كفكرة، كفعل أمل بأننا نستطيع: أطلقت نارها على الاحتلال واليأس معا. أطلقت النار على النذالة، وليس على النذل. أطلقت النار على الرخص، وليس على الرخيص. على الخيانة، وليس على الخائن. علـى القتل، وليس على القاتل.

سهى بشارة حين أطلقت النار عليه، دقت على بيوت اللبنانيين بيتاً بيتاً، ودخلت وعانقت أهل الدار صغيراً وكبيراً. باتت بطلتهم وحارسة أحلامهم ببلدهم. مثلها اللواتي يدرسن في كتب التاريخ، مثلها اللواتي يسمي الناس مواليدهم باسمها. مثلها اللواتي يصرن مثلاً في بلد لا مثل فيه. مثلها التي لا تُشتم ولا تُسأل من تكون.

لن تجيب هذه السطور عن سؤال العونيين. لن تحاول أن توقظ فيهم وطنية ما دفينة، تحفظ لسهى أقل حق لها وأقل واجب على لبنان. كما أنها لن تنصحهم بأن يقلعوا عن الشتيمة والبذاءة والفوقية وأن يلتزموا بأقل الأخلاق، وأن يردوا عليها كندٍ وأن يلتزموا التهذيب في انتقادها. السطور هذه ليست معنية بتصويب أخلاق أحد.

هذه السطور لا تحاول شيئا. لا سهى بحاجة إلى من يدافع عنها، ولا شتّاموها سيصابون بسحر اللغة ويخرجون من تكرار شتائمهم الممل إلى ذكاء أبرح لأن الذكاء ليس من سمات المتطرفين.

مبرر هذه السطور، صورة ما زالت في مكانها منذ التسعينات على جدار بيت في بيروت: ذراعان ترفعان شارتي النصر، وابتسامة واسعة اتساع أحلام، كانت، ببلد أفضل. وعينان تلمعان بالفرح، بعدما ظلتا سنوات عشر تحدقان في الجدران وتريان لبنان آخر، جميلا.

مبررها بعض التعبير عن الحب لسهى بشارة، وبعض الشكر للأمل الذي تركته فينا. كل مبررها قليل من العرفان لمن علمتنا كيف يمكن أن نحب لبنان، هي التي أحبت لبنان أكثر منا كلنا.