أزمة الدولار: إعلام فاجر وحاكم تاجر

27 سبتمبر 2019آخر تحديث :
زحمة في محطات الوقود (ريشار سمور)
زحمة في محطات الوقود (ريشار سمور)
beirut News
نجح المسؤولون اللبنانيون إلى حد كبير في تبرئة أنفسهم من أزمة اقتصادية مستفحلة، قادت اللبنانيين الى مرحلة قلق جدي هي الأولى منذ سنوات، وذلك بصياغة إعلامية تنكر الأزمة، وتتدرج الى تسريبات تسيّسها، بما يضرب أي فرصة لحراك شعبي احتجاجي، ويشعل الانقسام بين اللبنانيين.
منذ نحو اسبوعين، تستفحل أزمة الدولار في البلاد، وسط إنكار وتطمين من المعنيين بأن ما يجري مفتعل وغير حقيقي. لكن تفاقم الأزمة على أرض الواقع، حيث تمتنع المصارف عن دفع العملة الصعبة، وتضغط الشركات المستوردة لبيع منتجاتها بالعملة الصعبة، ثبتت أن ثمة قطبة مخفية: إما أن السلطة تكذب، وإما أن هناك سياقاً سياسياً لها سيجري توظيفه في المرحلة المقبلة، ويدفع كل طرف باتجاه تسجيل نقاط في مرمى الطرف الآخر.
والأزمة، مترامية الأطراف، تتصدرها تداعيات الأزمة الاقتصادية السورية. لا أحد ينكر أن الجغرافيا هي لعنة لبنان الذي يدفع ثمن الأزمات السورية. في المرة الأولى، تمدد لهيب الحرب السورية اليه، وتمدد نزيف النازحين أيضاً. واليوم، في الأزمة الاقتصادية السورية، يدفع الثمن أيضاً، وسط انقسام لبناني شبيه بالانقسام الأول في 2012، لم يعلن عنه حتى الآن، أنه بسبب الأزمة السورية.
في تفاصيل هذه الأزمة، بدأت وكالات إعلام أجنبية منذ الشهر الماضي تتحدث عن أن سعر العملة السورية انخفض، نتيجة العجز عن تأمين العملة الصعبة من لبنان بسبب أزمته الاقتصادية وندرة وجود الدولار.
واليوم انتقلت الإزمة الى لبنان، بسبب المساعي لإخراج العملة الصعبة من لبنان وشحنها الى السوق السورية، وبسبب تهريب المحروقات من لبنان الى سوريا، ومقايضتها بمنتجات سورية، وهو ما يلزم لبنان دفع ثمن المحروقات بالعملة الصعبة، فيما لا يجني منه إلا الى القليل من السوق اللبناني الذي تراجعت فيه تحويلات المغتربين بالعملة الصعبة من 8 الى 3.5 مليار دولار هذا العام، بسبب القلق من العقوبات والضغوطات.
لم تتدخل الدولة لتوفير العملة الصعبة. هذا موثق، ومنطقي أيضاً، ولن تتدخل طالما أن هذا الدعم سيكون إنقاذاً لنظام سوري يتهاوى تحت وطأة العقوبات. وفي المقابل، ثمة أطراف لبنانية تجد في دعم النظام السوري “خياراً استراتيجياً”، تضغط إعلامياً من غير ذكر أسباب الضغوط، فيما يضغط الطرف الآخر، من غير أن يعلن حقيقة أسباب تلك الضغوط. وتتكفل التسريبات، منذ الثلاثاء الماضي، بالكشف عن هذه المعطيات، ما خلق انقساماً بين اللبنانيين.
هذا الانقسام، الذي فعّله الإعلام، أوجد لكل طرف لبناني ملاذاً عند مناصريه ومؤيديه وداعمي خياراته السياسية. بذلك، تم القضاء على أي فرصة لبنانية لاستعادة الشارع كخيار في مواجهة السلطة، ومقارعة تقاعسها عن تمديد الأزمة، وسط اتجاه كل طرف سياسي أو اقتصادي نافذ وفاعل، للاستفادة منه وتحقيق مكاسب.
يدرك اللبنانيون أن المصارف تمتنع عن تسليم الدولار لسحبه من التداول الشعبي وحفظه لمرحلة مقبلة. قد تكون الأسباب سياسية، وقد تكون تمهيداً لمرحلة ارتفاع قيمة الدولار مقابل العملة الصعبة. ويدرك اللبنانيون أيضاً أن محلات الصرافة تستفيد من الوضع لتحقيق كسب سريع. كما يدركون أن الأطراف السياسية، معطوفة على انقسام مذهبي حول الخيارات المرتبطة بسوريا، تحاول تحقيق مكاسب سياسية. وعليه، فإن الإجماع على حراك ضد السلطة ينطوي على أوهام، ولنا في تجربة الحراك المدني على خلفية أزمة النفايات المثال الأصح.

في هذا الوقت، يتمدد القلق. يتحول الى قلق حقيقي وسط استسلام وعجز. المواطن اللبناني عاجز عن تحقيق أي خرق في جدار الأزمة. وتكبله الخيارات السياسية والانقسامات. وتسهم التسريبات الإعلامية حول أسباب الإزمة وتقديراتها، في إبعاده عن أي حراك فعلي يجب أن يدفع السلطة إلى تأمين حياة كريمة، في أقل تقدير، إن لم نقل تغييرها. وفي ظل هذا العجز، يتجه اللبنانيون الى النكات. لا يلوذون إلا به. ويتبارون في استخدام أسماء شركات النفط ومحطات المحروقات لتوصيف الواقع، لإظهار قدرتهم على التلاعب بالكلام والسخرية.
شعب ساخر، وإعلام فاجر، يستسلم لحاكم تاجر!

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.