مدنيو زحلة يتذمرون من هيمنة “القوات” وبعلبك تحسد الجنوب

23 أكتوبر 2019آخر تحديث :
مدنيو زحلة يتذمرون من هيمنة “القوات” وبعلبك تحسد الجنوب
beirut News

ملاحظات أساسية يمكن التوقف عندها حول التحركات الشعبية التي استمرت يوم الثلثاء في البقاع لليوم السادس على التوالي، كسند للتظاهرات المركزية في ساحتي رياض الصلح وساحة الشهداء في بيروت والمدن اللبنانية الأخرى، عبر قطع الطرقات، وتقطيع أواصر قرى محافظتي البقاع وبعلبك- الهرمل، واللذين عكسا حجم الغضب الشعبي على طبقة حاكمة فقدت ثقتها بالشارع، حتى لو لم تستقل من مهماتها الدستورية.

“الأكثرية الصامتة”
عمليا تفوق الشارع السني، في البقاعين الأوسط والغربي، وحتى في عرسال، في تحرره من سيطرة قيادته الحزبية والسياسية، وإن بقي متعاطفاً مع الرئيس سعد الحريري، “المغلوب على أمره” برأيهم، بتشكيلة حكومية لم يرتح لها هذا الشارع منذ اليوم الأول لتسلمه رئاستها، وتفضيله استقالتها على بقاء الحريري منزوع القرار فيها..

في المقابل، فإنه على رغم تضخم “الصوت الصامت” غير المؤيد لأحزاب السلطة لدى الشارعين المسيحي والشيعي، فإن صوتهما بدا مصادراً من قبل القيادات الحزبية، بعدما دوزنته القوات اللبنانية في زحلة، على قياس مصلحتها بإسقاط الحكومة، ما منح التيار الوطني الحر فرص القصف على هذا الحراك لإفشاله. فيما حرص حزب الله على إبقائه قيد “الأعراف الإجتماعية، الدينية، والسياسية” في بعلبك ومعظم القرى الشيعية، التابعة لسيطرته. فبقي الحراك المطلبي محصوراً بفئة رفضت “الذوبان” في الأيديولوجيا التي فرضها حزب الله منذ البداية.

وهكذا صار الحراك الشعبي سواء في زحلة أو في بعلبك خاضعاً لمحرمات “ممنوع كسرها”، في ظل بقاء “الأكثرية الصامتة” في المكانين على صمتها، وعدم سعيها لإظهار الوجه الحقيقي، سواء لبعلبك، التي لا تمثل فيها أيديولوجيات حزب الله كل المدينة، وإن كان أهلها يصرون على إظهار إحترامهم لأمين عام حزب الله حسن نصرالله، كما أن الأحزاب لا تختزل هوية زحلة، التي وإن كانت تضم مناصرين للأحزاب المسيحية الثلاثة، مع تسجيل حضور أقوى لحزب القوات اللبنانية، فإنها ليست قواتية، ولا عونية، ولا كتائبية، وكما أثبتت الانتخابات، سواء النيابية أو البلدية، فإنها حتماً لم تعد أيضا “كتلة شعبية”.

العشائر والحرية الاستثنائية
على خلاف النبطية، وصور، وطرابلس إذاً، لا يمكن الحديث عن نجاح بعلبك بتغييير الصورة النمطية التي تضعها تحت هيمنة حزب الله، ولائحة “المحرمات” التي يفرضها على المجتمع من دون أن ينطق بها. فحزب الله لا يمكن أن يقف بوجه القضايا المطلبية الشعبية كما يقول بعلبكيون، لكن الشرط الأول سياسياً أن لا تطال هتافات الشتم حسن نصرالله شخصياً.

وفي ظل غياب الشخصيات “البلدية” المؤثرة، وخطف صوتها منذ مدة طويلة، بات سهلاً ببيان صادر عن تجمع عشائر بعلبك وزعته القنوات الإعلامية لحزب الله، إبعاد البعلبكيين عن الساحات المطلبية، ولكن من دون منعهم علناً. في وقت توجهت دعوات المجتمع المدني، لإقتناص الفرصة من أجل اختبار “شعور الحرية”، وكسر طوق المحرمات التي فرضت عليه، إذا لم يكن في بعلبك، ففي أي ساحة من ساحات الوطن التي تعكس إنتفاضة الشعب الحقيقية “على من أدلجوا الناس، وجوعوها في آن معاً”.

يبدي البعلبكيون إعجاباً بما يحدث في صور والنبطية (لوسي بارسخيان)

ولكن “الحرية الاجتماعية الاستثنائية” التي ترجمتها ساحات الانتفاضة في بيروت وطرابلس خصوصاً، رقصاً وغناء وشتماً.. انقلبت سلباً على مشاركة البعلبكيين أيضاً، فنأى الكثيرون بأنفسهم عنها.

وثمة سبب آخر جعل المدينة تحجم حتى الآن عن تشكيل ساحتها الشبيهة لساحات المدن الأخرى، وأهمها أن تظاهرات الأيام الخمسة الماضية أقيمت على مدخل المدينة عند مفرق دورس، ما تسبب بفرز في “مدينة بعلبك”، وخصوصاً بعدما اقتحم الساحة من طالبوا بإقرار قانون العفو العام من أبناء قرى الجوار، الخارجين على القانون.

ولعل ذلك شكل سبباً أساسياً للانتقال بالحراك الشعبي، بعد ظهر الثلثاء، إلى وسط المدينة، في ساحة خليل مطران مقابل قلعة بعلبك الأثرية بوسط المدينة، وذلك لتحفيز أهل المدينة على الانضمام إلى “التجمعات الشعبية المطالبة بدولة مدنية”. وقد بُذل مجهود أكبر من قبل “النخب” المنظمة لتأمين مشاركة أوسع للبعلبكيين، الذين يعربون في المقابل عن إعجابهم بانتفاضة أبناء النبطية وصور على الثنائي الشيعي، وإثباتهم وجود ثلاثية ورباعية وربما خماسية شيعية، وبالحركة الشعبية المطلبية، التي تعني كل لبناني مقهور من مستوى المعيشة المتدني في لبنان عموماً.

فقدان العفوية في زحلة
في زحلة، بالمقابل، شذ الحراك الشعبي عن المعايير التي حددت بباقي التظاهرات، وعلى رغم تلطي القوات اللبنانية خلف شعارات الحراك الشعبي الذي يبدو أيضا “فاقداً لعفويته”، فإنه يمكن القول بأن شعار “كلن يعني كلن” لم يعد ينطبق على معظم الحراك في المدينة.

منذ أن استقالت القوات اللبنانية من الحكومة، تطغى صورتها على التجمعات الشعبية في زحلة. ورغم محاولتها التخفي وراء “المجتمع المدني”، تجلى حضور مناصريها المنظم، من خلال “الاحتفال” الذي أقيم مساء الأحد، على مسرح حاولت أن تعتليه رئيسة الكتلة الشعبية ميريم سكاف، فهب شباب القوات لإنزالها فوراً، مصرّين على مغادرتها التجمع قبل متابعة برنامجه.

بدت هذه الهيمنة أكثر وضوحاً صباح يوم الثلثاء مع قيام أحد رموز القوات اللبنانية المدعو ابراهيم الصقر، بإقفال منافذ زحلة الأساسية بشاحنات الترابة التي يديرها، وإعلانه ذلك صراحة عبر صفحته على فايسبوك، وهو ما خلف موجة إنتقادات واسعة، دفعته إلى إزالة العوائق عن مداخل المدينة، والإحتفاظ بها على الأوتوستراد المؤدي إليها.

علماً أن انضمام “القوات” للساحات، قلل من حماسة “الفئة الصامتة” التي كانت أول المندفعين إلى الشارع عفوياً إثر “انتفاضة الـ whatsapp” التي أشعلت شرارة التحركات الاحتجاجية الواسعة بوجه السلطة القائمة.

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.