بلفيديو دماء الثورة تسيل في طرابلس: من يورّط الجيش؟

27 أكتوبر 2019آخر تحديث :
هكذا كان الحال قبل لحظات من الانقضاض على المدنيين (Getty)
هكذا كان الحال قبل لحظات من الانقضاض على المدنيين (Getty)
beirut News

يبدو أنّ أوتستراد البداوي، كان الخطوة “التجريبية” من أجل تنفيذ الخطّة الأمنيّة لفتح الطرقات المقطوعة. وبعد أن كان الشمال يمضي يومه العاشر بالتظاهرات السلمية، لعلعت أصوات إطلاق الرصاص بعد الظهر عند أوتوستراد البداوي. وهكذا، انقلبت الأمور رأسًا على عقب، وانتشرت فيديوهات إطلاق الرصاص من قِبل الجيش نحو المتظاهرين، وبدأ التضارب مع الرجال والنساء والأطفال، وسادت حالة من القلق والخوف.

الرواية الأولى
ترك الحادث ندوبًا كبيرة في الشمال الذي وصفت ساحته بـ”عروسة الثورة”. وفجأة، عاد النقاش إلى “لغة المحاور” والمعارك القتالية التي عاشها الشمال لسنوات طويلة، باستعادة اسم عامر ابراهيم الملقب بآريش. والرواية الأولى التي انتشرت في أوساط المواليين للعهد، هو أنّ الاشتباك بين الجيش والمواطنين لم يقع على إثر التظاهرات ومحاولات فتح الطريق، وإنما وقع نتيجة محاولة الجيش للقبض على أريش، قائد المحور سابقًا، وأنه هو من بادر إلى إطلاق النار نحو الجيش.

لم يكن نشر هذه الرواية المغلوطة بريئًا، فجاءت الفيديوهات لتنفيها، وكذلك بيان قيادة الجيش الذي بدا ملتبسًا وغير واضح لجهة شرح تفاصيل الحادث. من جهة، يدرك أهالي البداوي وطرابلس، هوية قادة محاورها أمثال آريش وانتماءاتهم، والجهات السياسية و”الأمنية” التي تدعمها. ومن جهة أخرى، بدأت علامات الاستفهام تدور حول “الطرف” السياسي الذي يسعى إلى توريط عناصر من الجيش اللبناني بدماء المتظاهرين، بينما هم يهتفون في تظاهراتهم الحاشدة لنصرة الجيش اللبناني.

البيان والفيديوهات

بيان قيادة الجيش الذي بدا مبهمًا ولا يوازي حجم الحادث الكبير الذي وقع على أوتوتسراد البداوي المتصل بطرابلس، أشار إلى أنّ عددًا من المواطنين حاولوا اجتياز الطريق بسياراتهم، و”تدخلت قوة من الجيش لفض الإشكال، فتعرضت للرشق بالحجارة وللرمي بالمفرقعات النارية الكبيرة، مما أوقع خمس إصابات في صفوف عناصرها”. وتابع البيان: “عندها عمدت القوة إلى إطلاق قنابل مسيلة للدموع لتفريق المواطنين، واضطرت لاحقاً بسبب تطور الإشكال إلى إطلاق النار في الهواء والرصاص المطاطي، فأصيب عدد من المواطنين بجروح. وقد استقدم الجيش تعزيزات أمنية إلى المنطقة وأعاد الوضع إلى ما كان عليه، وفتح تحقيقاً بالموضوع”.

لكنّ الفيديوهات، تظهر أن الجنود لم يتهددهم أي خطر. وكذلك شهادات شهود العيان، كانت روايتهما مختلفة. هذا الحادث، نتج عنه نحو ثماني إصابات، تراوحت بين التضارب والرصاص المطاطي والرصاص الحيّ. ورغمّ أنّ بيان الجيش لم يذكر إطلاق عناصره للرصاص الحيّ، وأنّ الطلقات اقتصرت على الرصاص المطاطي، كانت حالة المصابين تحكي روايةً أخرى. بين المستشفى الإسلامي والمنلا في طرابلس، تابعت “المدن” حالة أربعة مصابين، نقلتهم سيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر والجمعية الطبية الإسلامية.

روايات المصابين
عمُّ أحد المصابين في مستشفى المنلا، يروي لـ”المدن” تفاصيل الحادث الذي وقع مع الجيش في البداوي: أثناء قطع مجموعة من الشبان المدنيين للاوتوستراد بطريقة سلمية، جاءت عناصر من الجيش وقالت للمجموعة: “معكم دقيقتين، يا بتطلعوا يا مندخل بالملالات”. حينها، “كنّا على الأرض، ورفعنا أيدينا وقلنا: الله يحيي الجيش اللبناني”. يقول: “حاولنا الحوار مع الجيش وعبّرنا عن وجهة نظرنا بأننا نقطع الطريق بشكلٍ سلمي، ثمّ فجأة انهالوا علينا نساءً ورجالًا وأطفالًا بالضرب بالعصي”. في هذه اللحظة، تحول الأتوتستراد إلى ساحة معركة دامية: “حاولنا الدفاع عن أنفسنا للهروب، فبدأوا بإطلاق الرصاص نحونا وفي الهواء، ومعهم الحجارة والعصي، ثمّ قمنا نحن برمي الحجارة أيضًا”. يتدخل أحد أبناء البداوي للقول: “الرصاص لم يكن مطاطيًا فحسب، وإنّما كان هناك إطلاق للرصاص الحيّ، وحتى إصابات الجيش وقعت عن طريق الخطأ فيما بينهم. ونحن نسأل الرئيس سعد الحريري: نزل الدمّ في عقر دارك وطائفتك ماذا تنتظر بعد؟”، يضيف: “نحن لم نطلق الرصاص على الجيش، ولا نقبل بذلك، ونحن معه ونطلب حمايته مهما حاولوا شيطنتنا وتدمير حراكنا السلمي”.

التضييق على الصحافيين
في المستشفى الإسلامي التي لديها ثلاث إصابات، واجهنا مع عدد من الصحافيين تضييقًا كبيرًا أثناء طلب الدخول إليها. وقد وقع إشكال كبير مع أحد الموظفين الذي حاول التطاول والاستقواء بحجّة أن هناك أمرًا بعدم السماح في التصوير أو أخذ أيّ معلومة من المصابين، وكان الأمر مريبًا.

مصدر طبي في مستشفى المنلا، أكد لـ”المدن”، أن الإصابة التي جرت معالجتها، كانت قد تعرضت لإطلاق رصاص حيّ بشكلٍ مباشر، وقد جرى نزع الرصاص من جسد المصاب، وإلا كانت حالته آيلة للتدهور، بينما الرصاص المطاطي يُحدث جروحًا طفيفة ولا يخترق الجسد.

“أجنحة عسكرية”؟
اللافت في الشمال، هو أنّ النقاش يدور على ضرورة الوعي من التورط في أيّ صراعٍ مع الجيش، لأنّ قيادته كانت واضحة لجهة حرصها على حماية المتظاهرين. لكنّ ما يدور في كواليس النقاشات، هو إن كان هناك “أجنحةً عسكرية” تنفذ أجندات سياسية، وتسعى لشيطنة الحراك عبر زجّ المتظاهرين في نزاعٍ مباشرٍ مع الجيش، بحجة تنفيذ أوامر قيادية لفتح الطرقات.

لكنّ التعاطي مع طرابلس وضواحيها، غالبًا ما يكون على قاعدة أنّ “جسمها لبّيس” للمعارك والدمّ. هذه المدينة التي وصلت سيرتها إلى كلّ دول العالم، بعد أن تحولت ساحة النور إلى  “عروسة الثورة” والساحات المنتفضة في لبنان، ورسمت على مبنى “الغندور” تحيةً كبرى للجيش بالخطّ الأحمر والأبيض: “من طرابلس شكرًا للجيش والقوى الأمنية”، يبدو أنّ هناك من يسعى للبدء بإعادة شيطنتها وصبغها بصورة “قندهار” عبر الصدام مع الجيش تحديداً.

تهتف طرابلس للثورة بفمها الملآن، من دون أيّ اعتبار سياسي أو طائفي. أطلقت الصرخات الثورية ووعدت أن تكون ساحتها مفتوحةً لكلّ ساحةٍ لبنانية تُغلق قسرًا، ورددت يوم أمس: “يا نبطية طرابلس معاكي للموت.. يا صور طرابلس معاكي للموت.. ويا بيروت طرابلس معاكي للموت…”. هذه المدينة التي سعى البعض في خطابه إلى إعادتها لزمن المعارك ومشغلي المحاور، ربما لا تتنظر ردًّا على السؤال الذي تعودت عليها: من أطلق الرصاصة الأولى؟ وإنّما تنتظر جوابًا على سؤالها: لماذا البدء من طرابلس تحديدًا؟

معظم اللبنانيين باتوا يعرفون الإجابة، ويعرفون المتهم.

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.