“فائض القوة” يجبر الحريري على الاستقالة: المواجهة الكبرى بدأت

30 أكتوبر 2019
فرحة المعتصمين بعد استقالة الحريري (عزيز طاهر)
فرحة المعتصمين بعد استقالة الحريري (عزيز طاهر)
beirut News

منير الربيع صحافي لبناني

وُضع الرئيس سعد الحريري بين خيارين: إما إعطاء غطاء سياسي من قبل الحكومة للجيش والأجهزة الأمنية لفض الاعتصامات بالقوة وفتح الطرقات. وهذا ما يرفضه بشكل قطعي.. وإما استمرار الاستعصاء، الذي سيؤدي إلى توتر وربما صدامات في الشارع، في ظل القرار الحاسم الذي اتخذه حزب الله بضرورة فتح الطرقات.

ما بين الخيارين كان الحريري مكبّل اليدين. هو مقتنع بضرورة تعديل حكومي حقيقي، أو تغيير الحكومة وتشكيل حكومة جديدة. لكن ما أراده اصطدم بـ”فيتوين”. الأول، من رئيس الجمهورية برفض استبعاد الوزير جبران باسيل من الحكومة المعدلة أو الحكومة الجديدة. والثاني، من حزب الله برفضه حكومة التكنوقراط.

الانزعاج من باسيل و”الحل الأمني”
طوال ليل الإثنين ونهار الثلاثاء، كان الحريري يجري اتصالاته، للبحث عن مخرج حقيقي. وحسب المعلومات، فإنه طرح أثناء تواصله مع باسيل التعديل الحكومي بشكل جدي وإلغاء وزراء الدولة. لكن حصل تباين في الآراء، ما أدى إلى انزعاج الحريري الشديد من باسيل. وهذا ما دفعه أيضاً إلى اتخاذ خيار الاستقالة، فيما استمر الاستعصاء السياسي. وكانت ترده معلومات أن مجموعات من حزب الله ستتوجه إلى الشوارع صباح الثلاثاء لفتح الطرقات، لأن الحزب لن يسمح باستمرار قطعها. عندها لوّح الحريري بتقديم استقالته، مشترطاً التراجع عن تقديمها بعدم اللجوء إلى أي “حلّ أمني” أو ممارسة القوة ضد المتظاهرين، ومشترطاً أيضاً تقديم تنازلات سياسية لتشكيل الحكومة الجديدة.

العنف واستنساخ التجربة العراقية
لم يحصل أي تقدّم سياسي، وتحركت مجموعات أمل وحزب الله تجاه جسر الرينغ لفتح الطريق، وبعدها توجهت إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح عامدين بالعنف إلى تحطيم الخيم وإحراقها والإعتداء على المعتصمين هناك. في هذا الوقت، كانت مصادر الحريري تتحدث عن كلمة سيوجهها إلى اللبنانيين، وسيعلن فيها استقالته. وهنا، ثمة من ربط بين التصعيد على الأرض، ومحاولات تخويفه من تقديم استقالته، لأن الاستقالة بلا اتفاق سياسي ستدخل لبنان في فوضى عارمة بكل الاتجاهات، سياسياً، اقتصادياً وحتى أمنياً.

في المقابل، هناك وجهة نظر أخرى، تعتبر أن تحرك مجموعات حزب الله على هذا النحو العنيف، بالتوازي مع تلويح الحريري باستقالته، كان يهدف إلى دفعه إلى الاستقالة أكثر وتأكيدها. فلو كان الحزب حريصاً على بقاء الحريري لما كان لجأ إلى العنف، بل عمد على إرساء الهدوء لتأجيل استقالته. في هذه القراءة، لا بد من ربط كل التطورات المحلية بما يجري من اتصالات إقليمية ودولية في الكواليس. فإذا ما أراد الحزب استقالة الحريري بعد كل المحاولات لإبقائه ومعالجة الموضوع، فهذا يعني أن هناك تواصلاً دولياً بين إيران وبعض الدول أفضت إلى قناعة بالإنقلاب على الحريري، أو أن حزب الله ومن خلفه إيران أرادوا استنساخ التجربة العراقية، في أخذ لبنان كله أسيراً، وإزاحة الحريري عن المشهد للتأكيد على قدرتهم على الإمساك بكل المفاصل اللبنانية، وحكمه من دون الحاجة إلى شراكة مع أي طرف. وعندها يكون لبنان بكامله أصبح ضمن المحور الإيراني، كما هو حال العراق وسوريا. وهذه النظرة هي نتاج لقراءة سابقة، تعود إلى فترة حاول فيها رئيس الجمهورية ميشال عون الدفع إلى إقالة حكومة الحريري واختيار شخصية بدلاً منه، بذريعة الوضع الاقتصادي وعدم نجاح مساعي الحريري لمعالجتها. وتضيف القراءة، أن عون وحزب الله تمسكا بالحريري نظراً لعلاقاته الدولية والتي يمكن أن يوظفها لخدمة العهد والتسوية التي ترضي حزب الله وتلبي مصالحه. وبالتالي، طالما أنه لم ينجح بذلك ولم يتلق لبنان المساعدات الدولية، فلا بأس من التضحية بالحريري، والذهاب إلى حكومة أحادية.

إلى مواجهة كبرى؟
وحسب المعلومات، فإن الحريري أبلغ الجميع أنه لم يعد قادراً على تحمل جبران باسيل والتعايش معه ومع طروحاته. ما دفع بقوى أخرى لتشجعيه على الاستقالة، وهي التي كانت سعت إلى ثني الحريري عن تقديم استقالته، وفق مبدأ أنه لا يجوز اتخاذ هذا القرار، في هكذا لحظة دقيقة بسبب باسيل، بعد أن كان عقد توافقات كبيرة معه استثنيت منها كل القوى السياسية الأخرى، وكانا على انسجام تام في إدارة أمور البلاد، وهو الذي سمح لباسيل بأن يحقق ما حققه بسبب تنازلاته.

في المقابل، علم الحريري أن حزب الله نظر إلى استقالته بشكل سلبي، ويصفها بالانقلاب أو بالتماهي مع الضغوط الخارجية، التي تهدف إلى تغيير الموازين السياسية في البلاد. ما يعني التوجه إلى عدم إعادة تسمية الحريري. والسؤال يبقى حول ما سيحدث في الشارع، وإذا كانت التظاهرات ستستمر. وبحال عدم التوافق فإن الأمور ستذهب إلى مواجهة كبرى في البلد.