الشبيحة “الثوّار”

30 أكتوبر 2019
beirut News

بتول خليل

لم تكن محاولات إعلام السلطة بالإنكار والتعمية على الحقيقة، مجدية، خلال تغطيتهه أحداث الاعتداءات على المتظاهرين اليوم. وكان من الواضح القرار بالتعتيم والإصرار على التضليل وضخّ كمٍ هائل من المعلومات الكاذبة والمغلوطة. وكعادتها لم تجد كلّ من قنوات “أو تي في” و”إن بي إن” و”المنار” أي حرجٍ باجتزاء الأحداث وتحويرها، بل وتقديمها على أنها حقيقة الوقائع الجارية على الأرض.

يتفاقم إفلاس هذه القنوات يوماً تلوَ الآخر، إذ باتت تحار من أين تأتي بدلائل لإثبات إدعاءاتها وتحقيق مساعيها في تحريض جمهورها ضد الثورة والمتظاهرين والمعتصمين. فالإعلام الذي لا يخجل من أن يُعلن بأنه باتت بين يديه مستمسكات تفضح الحراك المشبوه وتؤكّد ارتهانه للسفارات، من خلال الإعلان بأنه قد تم رصد أحد الأشخاص الذي كان يتكلم بلكنة أميركية مع المعتصمين، لن يتوانى اليوم عن القول إنّ “الشغب يحصل من قبل المتظاهرين المعتصمين”، كما فعلت “إن بي إن”، وإنّ من قاموا بالاعتداء على المتظاهرين وتحطيم وحرق خيمهم في ساحتي الشهداء ورياض الصلح “لهم أسبابهم المبررة، كونهم من أبناء المناطق المجاورة،  ومن الثوار غير الحزبيين، الذين تضرروا من قطع الطرق وعرقلة سير أعمالهم، إذ إنهم لا يريدون سوى أن يكسبوا لقمة العيش”، بحسب رواية “أو تي في” و”المنار”.

التزام هذه القنوات بالقرارت الحزبية ظهر اليوم بصورة أوضح وأكثر جلاء. ففي حين كانت باقي الشاشات تنقل على الهواء مباشرة قيام شبيحة “حركة أمل” و”حزب الله” بالهجوم والاعتداء على المتظاهرين وفرق وسائل الإعلام بل وحتى عناصر قوى الأمن المتواجدين على جسر الرينغ، قبل الانتقال إلى ساحتي رياض الصلح والشهداء، مرددين شعارات “شيعة شيعة” و”بالروح بالدم نفديك يا نبيه” و”لبيك يا نصر الله”، كانت شاشات إعلام التيار البرتقالي والثنائي الشيعي، تنقل الحدث على أنه إشكال بين مواطنين معترضين على إقفال جسر الرينغ الذين يحاولون فتح الطريق أمام السيارات العالقة منذ ساعات، وبين المعتصمين الذين يُصرّون على إغلاق الطرقات وعرقلة سير حياة المواطنين، والتلويح من على منابرهم بأنّ الفوضى والخراب آتيان لا محال.

المتابع لأداء هذه القنوات لن يصعب عليه ملاحظة التغيير الذي طرأ على خطابها عقب كلمة أمين عام “حزب الله”، السيد حسن نصر الله، الأخيرة، التي وضع فيها المعتصمين في خانة المناهضين للمقاومة، والذين ينخرطون اليوم في مشروع “تدور حوله شبهات كثيرة، كونه مدعوم من سفارات وقوى حزبية، ما يستدعى تطويقه والتصدّي إليه”، وهي الذرائع  نفسها التي ساقها “حزب الله” لإخماد الثورة السورية، حين نصّب نفسه بداية كمدافع عن اللبنانيين (الشيعة من جمهور المقاومة) المتواجدين على الحدود السورية اللبنانية، ليخترع بعدها حجّة الدفاع عن المقامات الدينية في الداخل السوري، ومنع “الإرهاب التكفيري من دخول لبنان”، وصولاً إلى إعلان “سنكون حيث يجب أن نكون”.

واليوم، وبعدما أعلن نصر الله أنه مع الحراك، لكن بشرط أن يبقى محصوراً في المطالب الاجتماعية، مبدياً “تسامحه” مع من يشتمه من الجماهير الغاضبة، كانت شتيمته هي الحجة الرئيسية التي استخدمها مناصرو الحزب في هجومهم على المتظاهرين قبل إطلالة نصر الله الثانية منذ بدء الانتفاضة، حين أطلّ وسحب الغطاء عن الحراك وأحاطه بكثير من الشبهات والتهم، معلناً معارضته قطع الطرق، ليقوم أنصاره اليوم بالاعتداء على المتظاهرين على جسر الرينغ ومباغتتهم قبل الانقضاض عليهم في ساحتي الشهداء ورياض الصلح وتحطيم كافة خيمهم وسرقة محتوياتها قبل حرقها.

ولا بدّ أنّ “حزب الله” أراد من هذه الأحداث تحطيم معنويات المتظاهرين وكسر شوكتهم وتخريب لحظة إحساسهم بتحقيق مطلبهم بإسقاط الحكومة، بعدما علم بأن الرئيس سعد الحريري قرر إعلان استقالته، فكان هذا الردّ الاستباقي والترهيبي، والذي يبدو أنه ستكون له استتباعات أخرى، بعدما نقلت شاشات “إل بي سي” و”الجديد” و”إم تي في” عن ألسنة الشبيحة الذين ملأوا الساحتين بأعداد غفيرة، بأنّه “إذا بيرجع بيطلب منا الاستاذ نبيه والسيد حسن نحرق دينهم، منحرق دينهم”، و”كل يللي شافوه اليوم ولاشي قدّام يللي رح يشوفوه بالأيام الجاي”.

بات واضحاً أنّ هذه الاعتداءات التي سبقت إعلان الحريري الاستقالة هي رسالة أيضاً للمرحلة المقبلة، وإشارة واضحة لكيفية التعامل من الآن فصاعداً مع المتظاهرين، وربما الميل إلى تشكيل حكومة صدامية مهمتها قمع الحشود وسحق المتظاهرين وتفريقهم عنوة. لكن على الأغلب فإنّ الإحساس بنشوة النصر عند الثوار بعدما أنجزوا إسقاط الحكومة، لن تؤثّر هذه الأفعال على عزيمتهم كما يعكس المشهد الحالي في الساحات، ولن تثنيهم عن متابعة التحركات والمطالبة بالمزيد من الانجازات. وها هم يعودون إلى الساحة، يفرزون النفايات، يلمّون الجراح، ويعيدون تركيب الخيم… ومستمرون.