حتى الساعات الأخيرة التي سبقت كتابة هذه السطور، لم يكن أحد من القيادات السياسية قادراً على رسم ما هو متوقع من تطورات تتصل بما ستكون عليه الإستشارات النيابية الملزمة يوم الإثنين المقبل. فالمهلة الضاغطة التي قصدها رئيس الجمهورية ميشال عون في المهلة الفاصلة بين الدعوة اليها يوم الأربعاء الماضي والترتيبات الخاصة بها قَلّصت هامش المناورات المحتملة، ووضعت الجميع أمام استحقاق الكشف عن المواقف النهائية والجدية التي ستترجمها هذه الإستشارات بالصيغة النهائية غير القابلة لأيّ شكل من أشكال المراجعة.
ورغم ضياع الكثير من المهل ما بين استقالة الحريري في 29 تشرين الأول الماضي وتاريخ تحديد الموعد للاستشارات الملزمة الأربعاء الماضي في الرابع من الشهر الجاري، والتي تجاوزت كل المهل السابقة التي فصلت بين الإستقالة والتكليف، هناك من يتحدث عن احتمال تأجيلها إذا دفعت التطورات المنتظرة نتيجة الدعوة الى يوم «أحد الغضب» وما يمكن أن يرافقه من قطع طرق قد تمتّد الى صباح اليوم التالي.
لا يتوقف الأمر عند هذا السيناريو، ففي الكواليس السياسية الكثير من الروايات المتداولة التي تُنبىء بالمفاجآت، فالبلد مفتوح على الكثير منها في ظل غموض المواقف وعدم التثبّت من الكثير من المعطيات التي تتراوح بين التمنيات والرغبات من جهة، والوقائع من جهة أخرى. ورغم هذا الغموض غير البنّاء الذي تعيشه البلاد على وقع الأزمة النقدية والمالية والإقتصادية المستفحلة، يمكن التوقف عند بعض المؤشرات الفاصلة عن موعد الإستشارات، والتي ما زالت تلقي بظلالها على مجريات الاحداث ما قبل الإثنين المقبل.
ليس خافياً على أحد، أنّ الجميع، ولاسيما رئيس الجمهورية ومعه «التيار الوطني الحر» و«الثنائي الشيعي»، ينتظرون موقفاً واضحاً من الحريري بتسمية الخطيب ودعمه. ورغم إصرارهم في العلن على التعبير عن الثقة بأنهم حصلوا على هذا الموقف الإيجابي مبدئياً، كما عبّر عن ذلك وزير الدولة محمود قماطي قبل يومين، فإنهم ينتظرون تأكيد ذلك وتثبيته بعد اجتماع كتلة المستقبل النيابية التي ربط موعد اجتماعها بعد الدعوة الرئاسية الى الإستشارات النيابية الملزمة، وهو ما حصل في اليوم التالي للطلب، وليقول بعد الاجتماع الكلمة الفصل في ما هو مطلوب منه ما لم يرغب في أن يبقى مرشّحاً وحيداً للمهمة عينها. ولذلك، ما زالت الأطراف الثلاثة التي أعطت الحريري المهلة لبَت آخر خياراته تنتظر هذا الموقف بمعزل عن الغليان الذي يسود «الشارع السني» لجهة رفضه تسمية الخطيب.
ولكن رغم هذه المعادلة، فقد صار واضحاً انّ الحريري يتريّث في توجيه الدعوة الى الاجتماع المنتظر للكتلة وسط شكوك تَسبّب بها تردّده حتى الساعة، وسط مؤشرات تعتبرها إيجابية لجهة ابتعاده عن الجو «السني المتشنّج».