قبل أن تعيّن مدعياً عاماً في جبل لبنان، لم تكن القاضية غادة عون ذاك الاسم الفاقع في أروقة العدالة، لم تكن أصلاً معروفة لدى عدد كبير من زملائها القضاة. لكن بعد تبوئها هذا المنصب يكفي حفظ كنيتها (عون)، ليعرف القاصي والداني أن هذه المرأة، أتت بتوصية من الباب العالي، وبطلب من الحاكم بأمره في زمن “العهد القوي”.
ليست حالة شاذّة أو نافرة أن يختار العهد فريقه السياسي والأمني وحتى الإداري، لكنّ اختيار عدد كبير من القضاة، وتنصيبهم في مواقع حسّاسة، تحت مسمّى “الفريق القضائي” لرئيس الجمهورية، فهذه ظاهرة نادرة التحقق. نعم، إنها المرّة الأولى أن يكون لرئيس البلاد قضاة يعملون بوحيه، وينفذون أوامره، ويكفي أن تكون القاضية غادة عون نموذجهم “غير صالح” لهذه التجربة، أو “الآفة” الطارئة على مسيرة سلطة العدالة.
أداة طيّعة
لقد قدّم وزير العدل السابق (وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية في حكومة تصريف الأعمال) سليم جريصاتي، تجربة غير موفقة في التشكيلات القضائية الأخيرة، التي اختار عبرها “عدّة الحكم القضائية”، وانتقى قضاة مقرّبين منه، ومحسوبين على تياره السياسي، ليكونوا أداة طيّعة في تلقي تعليماته وتنفيذها، ولا داعي لذكر أسماء هؤلاء القضاة ومناصبهم، لأن أداءهم يكفي للدلالة على عقم هذا الخيار، ويكفي نموذج القاضية عون حين لا يمرّ شهر، الّا وتحدث خضّة أو أزمة في مجال “إبداعاتها” غير المسبوقة، التي يتبرّأ منها القضاء ومرجعياته.
علاقة سيئة
مفارقات لا تحصى سجلتها هذه القاضية عون في ممارسة مهامها على مدى سنتين، قد تحتاج إلى وقت طويل لتعدادها، والغوص في خلفياتها وأسبابها. لكن ما لا بدّ من تأكيده أنه منذ وصول هذه السيدة إلى موقعها كنائب عام استئنافي في جبل لبنان، بدأ القضاء يشهد خضّات غير مسبوقة، أولاً لجهة تعاطيها مع المواطنين المتقاضين أولاً، وثانياً عبر تصرفاتها مع المحامين الذين يصنفون الجناح الثاني للعدالة، وثالثاً والأهم سوء علاقاتها مع زملائها، وما شابها من إضطرابات غير مسبوقة في تعاطي القضاة مع بعضهم البعض.
صراخ واعتراض وتوقيف
تكاد تكون معظم قرارات القاضية عون ارتجالية، فعند كلّ ملفّ حساس تخلق مشكلة، وأحياناً أزمة يضجّ بها الرأي العام. فمن اليوم الأول لوصولها إلى مكتبها في قصر عدل بعبدا، أوصدت أبوابها أمام مراجعات الناس، وبات المتقاضون يقفون بالطابور، ولمّا أعيتهم الحيلة انصرفوا من أمام مكتبها، وسلّموا أمورهم إلى المحامين بموجب وكالات رسمية، لكنّ حال المحامين لم تكن أفضل، إذ لم تسمح لأحد منهم بدخول مكتبها، الّا من يحظى بتوصية تستحق الاهتمام، فيما أوكلت إلى سائقها الشخصي، وهو عنصر أمن أن يتسلّم بالذات مراجعات المحامين ويكدسها ويطلب منهم بصيغة لا تتلاءم وشخصية المحامي، البقاء في الخارج لساعات إلى أن تتمكّن “الريسة” من الاطلاع عليها، وهذا ما أسخط المحامين، الذين دائماً ما تعالت صرخاتهم أمام مكتبها رفضاً لطريقة الاستخفاف واللامبالاة بقضاياهم وأوقاتهم التي تهدر على أمام بابها الموصد. وغالباً من شهد قصر العدل عمليات هرج ومرج وصراخ اعتراضي، لا تجد غادة عون وسيلة لحلّه، الّا باستدعاء العناصر الأمنية المولجة حماية قصر العدل، وتأمرهم بتوقيف المحامي المعترض وسوقه مخفوراً، قبل أن يتدخل مجلس القضاء الأعلى ونقابة المحامين لحلّ هذه الإشكالات.
طرد قضاة
هذا الأسلوب في التعاطي السلبي لم يتوقّف على المحامين والمواطنين فحسب، بل شمل زملاءها القضاة، إذ سرعان ما اصطدمت القاضية عون بالرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في جبل لبنان، عندما رفضت قراره بحضور قضاة جدد إلى قصر العدل للتدرج في المحاكم ودوائر التحقيق، من دون التنسيق معها، علماً أن هذه المهمة تبقى حصرية بالرئيس الأول. وذات يوم دخلت بشكل مباغت إلى مكتب إحدى القاضيات، حيث كان يتواجد القضاة المتدرجون، وطردتهم إلى خارج قصر العدل، وحذرتهم من دخول مجدداً. كما اصطدمت أيضاً بقاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور، عندما طلبت من شعبة المعلومات التحقيق مع رئيس قلم دائرة التحقيق في جبل لبنان (الخاضع لسلطة منصور مباشرة) بشبهة فساد، من دون أن تكلّف نفسها عناء إبلاغ القاضي بالأمر وإطلاعه على المعلومات التي لديها، علماً أن رئيس القلم عاد وأدلى بإفادته لدى شعبة المعلومات، ولم تثبت عليه أي شبهة، وسرعان ما وظّف القاضي منصور هذا الأمر في سياق استهدافه أو تسجيل النقاط عليه.
العدالة العرجاء
ويبدو أن “العدالة العرجاء” التي تعتمدها هذه القاضية، لا تطبّق الّا على خصوم تيارها السياسي، فهي التي ادعت خلافاً للقانون على رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، بتهمة “الاثراء غير المشروع، من خلال الحصول على قروض سكنية مدعومة”، حتى من دون أن تكوّن ملفاً قضائياً وأدلة تستند إليها، فقط لمجرّد أن طالب ميقاتي في الأيام الأولى للثورة، بالاستماع الى مطالب الناس، واستقالة الحكومة وتشكيل حكومة حيادية.
أخطاء وخطايا
ولا ينسى أحد أن صاحبة التسجيل الشهير الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، وفيه تشتم القاضية عون السياسيين وكلّ من ينتقد العهد، وتتوعدهم بأن الرئيس ميشال عون يحضّر “الخازوق” لكل خصومه “الفاسدين”، ثم تعقد مؤتمراً صحافياً بخلاف القانون وهي محاطة بعناصر حزبية، وتعترف بأن الكثير من ملفات الفساد في جارورها، وستخرج الملفّ الذي تريد حينما تشاء، ثم تصدر بيانات صحافية متخطية مجلس القضاء الأعلى، ورئيسها النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، الذي عاقبها مسلكياً، وطلب من الضابطة العدلية عدم مراجعتها والكفّ عن أخذ إشارتها بملفات قضائية لوقف أخطائها وخطاياها، لكنّ سلوكيات المرجعية التي أوصلت عون إلى هذا المنصب، عطّلت قرار النائب العام التمييزي، وأعادت الاعتبار لقاضية العهد لتنفّذ أجندته.
ثمة الكثير من الملفات الخطرة التي غطّتها القاضية عون، مستخدمة سلطتها في الادعاء والمطالعات، بدليل توقيف مرافقها الشخصي، بعدما تبيّن أنه يتلاعب بملفات قضائية، خصوصاً ملفات المخدرات بالاتفاق مع سماسرة، يعملون على تغيير الوصف الجرمي لتاجر المخدرات، وتحويله إلى متعاطٍ للنفاذ من العقاب، علماً أن المرافق المذكور جرى توقيفه ومحاكمته أمام المحكمة العسكرية بتهمة جنائية.
توقيف أطفال
أخطر ما في أداء هذه القاضية، الاستنسابية في قرارات الملاحقة التي تتخذها، والتشدد غير المبرر في توقيف ناشطي الحراك الشعبي، والادعاء عليهم بجرائم خطيرة، وهنا لا بدّ من التذكير كيف جعلت القاضية عون عناصر شرطة بلدية حمانا ضابطة عدلية، وأمرتهم بتوقيف ثلاثة أطفال، لمجرد أنهم حاولوا نزع لافتة لـ”التيار الوطني الحرّ”، من دون أن تسمح لأهلهم أو لمحامين بمقابلتهم، ثم تدعي عليهم بجرائم خطيرة وهي “إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وتعريض السلم الأهلي للخطر”، في حين أنها لا تتردد بمخالفة القانون، وكسر قرار زميلة لها (القاضية نازك الخطيب) أمرت بتوقيف راهبتين في إحدى جمعيات الرعاية الاجتماعية، بعد تحقيقات قضائية وتقارير أعدها اتحاد حماية الاحداث، وفّرت أدلة قوية وثابتة عن تعرّض أطفال في الجمعية للتعذيب والاعتداء الجنسي، ومعلومات عن بيع أطفال رضّع والاتجار بالبشر، حين أمرت القاضية عون بالافراج عنهما رغم الأدلة القوية بحقهما مع آخرين.
ملاحقة ناشطي الثورة
اللائحة تطول حيال تصرفات النائب العام في جبل لبنان، المشوبة بالريبة إلى حدّ الشبهة، وبدا لافتاً مسارعتها إلى إعطاء الأوامر بتوقيف المتظاهرين والناشطين السلميين، سواء عند قطع طريق، أو إطلاق هتافات ثورية تنتقد العهد والوزير جبران باسيل، في حين أن هذه القاضية، لازمت صمت أهل القبور، عندما جرى توقيف شخص أطلق الرصاص الحيّ على المتظاهرين، وتبيّن أنه أفرج عنه بعد أيام قليلة على توقيفه.
توقيف هدى سلّوم
عشرات الدعاوى القضائية والاخبارات لا تزال في أدراج القاضية غادة عون، سبق وتقدّم بها محامون وسياسيون وناشطون، تكشف عمليات الهدر وسرقة المال العام بكثير من الملفات، بدءاً بملف استئجار بواخر الكهرباء التركية، إلى ملف السدود والكسارات وحفر الآبار وبيع المازوت المدعوم من الدولة لشركات خاصّة، ولم تحرّك ساكناً حيالها، لأن هذه الملفّات تطال الوزير جبران باسيل والمقرّبين منه، بينما المقاربة مختلفة عندما يكون مقدّم الاخبار محامٍ أو محازب من “التيار الوطني الحرّ”، بدليل الاخبار الذي تقدّم به القيادي في التيار المحامي وديع عقل، ضدّ مديرة مصلحة تسجيل السيارات والآليات هدى سلّوم، فقد استدعتها عون على الفور للاستماع اليها كشاهدة، لكن ما إن وصلت سلوّم إلى مكتب القاضية عون حتى أوقفتها على الفور، وهو ما أثار ضجّة كبرى في الأوساط السياسية والقضائية والشعبية.
النائب (المحامي) هادي حبيش وقد أخرجته القاضية عون عن طوره
حبيش الغاضب
وعلى أثر تبلّغه قرار توقيفها، توجّه النائب هادي حبيش إلى مكتب القاضية عون في قصر العدل في بعبدا، وحمّلها تبعات قرار توقيف قريبته هدى سلّوم، ومن أمام مكتبها توعدها حبيش، ووصفها بأنها قاضية مليشياوية، سيؤدي إلى إحالتها على التفتيش ووضعها في السجن، معتبراً أنها “تمارس التشبيح في السياسة”، لافتاً إلى أنها “استدعت سلوم كشاهدة ومن ثم أوقفتها بخلاف القانون”، مؤكداً أن سلوم “موظفة برتبة مدير عام في الدولة، وملاحقتها تحتاج إلى إذن من وزيرة الداخلية”.