منير الربيع صحافي لبناني
قلْب حزب “القوات اللبنانية” طاولة الاستشارات، دفع الرئيس سعد الحريري إلى المطالبة بتأجيلها أسبوعاً. لكن رئيس الجمهورية كان حاسماً بمنحه فقط مهلة ثلاثة أيام. مهلة لا يمكن أن تكون كافية للوصول إلى تفاهم، يمنحه تكليف تشكيل الحكومة، إلا إذا حصلت معجزة تقنع “القوات” بتغيير موقفها، أو يبرم الحريري تفاهماً جديداً مع الوزير جبران باسيل، لينال أصوات “تكتل لبنان القوي” فيحفظ نفسه سياسياً، ومعنوياً وميثاقياً. وأي تفاهم بين الحريري وباسيل، سيرتكز على مشاركة الأخير بقوة وبحصّة وازنة في الحكومة، وبشروطه وليس بشروط الأول. وهذا ما لا يمكن للحريري السير به.
القوات: الانسجام مع الجمهور
طوال الأيام الماضية، كان رئيس تيار المستقبل الورقة الأقوى في المعادلة. عندما كشف بلعبته أنه لا يريد غيره لرئاسة الحكومة. ثم ها هو الآن يجد نفسه الأضعف وتتجاذبه الكتل. في أيام قوته وتحالفه مع باسيل، كان يتجاهل القوات، ولا يراعي لا مواقفها ولا مصالحها. وعندما دقّت ساعة الحاجة إليها فتح خطوط التواصل آملاً في كسب الأصوات المسيحية لتوفير الغطاء الميثاقي، وكي لا يكون العدد الذي سيناله في الاستشارات هو فقط 55 صوتاً. لكن “القوات” لم تتراجع عن موقفها، واعتبرت أنها تنسجم مع خياراتها وجمهورها، خصوصاً أنها كانت على يقين بأن الحريري لن يشكّل حكومة اختصاصيين مستقلين، بل ستكون حكومة سياسية تضم بعض الاختصاصيين، أو بالحد الأقصى هي حكومة اختصاصيين تختارهم الأحزاب. أي حكومة التوازن السياسي، كما كان الحال سابقاً.
لم تسع”القوات” إلى القطيعة مع الحريري. ولذلك، أعلنت أنها ستمنح حكومته الثقة إذا كانت التشكيلة تلبّي تطلعات اللبنانيين. أي بالفعل حكومة اختصاصيين مستقلين. بُعيد موقف “القوات”، شرعت القوى السياسية بقراءة خلفياته. فهل هو رسالة إقليمية دولية سلبية للحريري، وهل القوات استجابت إلى ضغوط خارجية؟ لا يمتلك أي فريق سياسي الإثبات على ذلك. لكنهم يغرقون في التحليل، ويعتبرون أن “القوات” لم تقدم على هذا الخيار، إلا بإيحاء خارجي. وربط هؤلاء تحركات المناطق السنية الرافضة لتكليف الحريري، ما اعتبروه إشارة خليجية سلبية له.
الزيارة السرية
في المقابل، كانت الاعتبارات لدى القوات مختلفة تماماً، ولا علاقة لها بالخارج، بل بحسابات داخلية محضة، خصوصاً أن مواقف بعض الدول كانت تبدي بعض الإيجابية تجاه الحريري مع حكومة تكنوقراط. ولو أرادت “القوات” التماشي مع هذه الإشارات الدولية لكانت صوتت له. الحسابات القواتية مختلفة جداً. وتنطلق من أنها لا تريد أن تخسر نفسها لتربح العالم. كما أنها تعود إلى دفتر طويل من الحسابات مع الحريري، الذي لم يترك مناسبة إلا ووجه فيها الطعنات للقوات، كرمى لعيون باسيل وتحالفه معه. وعلى الرغم من ذلك، تغاضت “القوات” عن ذلك، وأكدت للحريري أكثر من مرة أنها تقف إلى جانبه. لكن ما دفع القوات إلى الرفض القاطع بتسمية الحريري، هو أنه في اليوم الذي أوفد فيه مستشاره غطاس خوري إلى معراب لمطالبة سمير جعجع بالحصول على أصوات نواب كتلة “الجمهورية القوية”، ذهب الحريري إلى بعبدا مساء، وبعيداً من الإعلام بناء على طلبه. إبقاء الزيارة سرية كان بسبب أمرين، أولاً، لا يريد إغضاب جعجع الذي سيكتشف أن الحريري طلب دعم القوات وقدم لها الوعود، ولكنه يفاوض عون على شكل الحكومة وتفاصيلها، وطلب دعمه في التصويت أيضاً عبر نواب “لبنان القوي”، ما أثار الريبة لدى معراب من التشكيلة الحكومية. وثانياً، لم يرد الحريري إعلان الزيارة كي لا يُنتقد من أبناء طائفته على الاستهتار الدستوري، لأنه يبحث في التأليف قبل التكليف.
هواتف الرؤساء الثلاثة
وأكثر من ذلك، في الوقت ذاته الذي كان الحريري يطلب دعم “القوات”، اكتشفت أنه بحث مع حزب الله كيفية توفير دعم أصوات تيار المردة والقوميين، ليضمن أكبر عدد من الأصوات. هنا اعتبرت القوات أن ما يقوم به الحريري مريب، وهو بعد أن يضمن التكليف لن يلتزم بتشكيل حكومة تكنوقراط ومستقلين. وبالتالي، ستكون القوات قد خسرت مرتين، مرة بالرهان على الحريري الذي يتمسك بالعلاقة مع عون وباسيل على الرغم من الخلاف. وبحال بقيت أسهم باسيل منخفضة جداً، يريد الحريري تعزيز التحالف مع فرنجية إن تحوّل إلى المرشح الأوفر حظاً لرئاسة الجمهورية مستقبلاً.
حُشر الحريري أكثر، عندما طلب تأجيل الاستشارات. وبعد تواصله مع الرئيس نبيه بري لمطالبة عون بتأجيلها، كان ردّ عون: “خلّي الحريري يحكي معي”. طلب عون ذلك لـ”يلبّس” طلب التأجيل إلى الحريري، ويقع الرجل في تناقض مع نفسه، فسابقاً كان يستعجل الاستشارات ويرفض مشاورات التأليف قبل التكليف. وها هو يرتضي لنفسه ما رفضه لسمير الخطيب! وقد تعمّد عون في صيغة بيان تأجيل الاستشارات، توجيه ضربة قاصمة للحريري، إذ تحدث البيان عن التأجيل لمزيد من التشاور في موضوع تشكيل الحكومة، أي البحث بشكلها قبل التكليف. فردّ الحريري على ذلك باستعادة تجربة عايشها والده مع بعض النواب الذين أودعوا خيار التسمية لدى رئيس الجمهورية إميل لحود، ما دفع برفيق الحريري إلى الاستقالة رفضاً لذلك، فاعتبر الحريري الإبن في بيان ردّه على موقف عون بأنه من بين أسباب طلب تأجيل الاستشارات، مسعى نواب التيار الوطني الحرّ لتكرار تجربة لحود ذاتها. وهذا يؤشر إلى تدهور العلاقة بين الرجلين.
ستكون ثلاثة أيام صعبة ومفصلية. القوات ليست في وارد تغيير موقفها، أو الرجوع عن قرارها. أمام الحريري خيار إبرام تسوية جديدة مع باسيل، ستكون قاسية جداً عليه، وإذا لم يحصل، فإن الأزمة ستكون مفتوحة. وقد تعني أن حظوظ الحريري قد انتفت، خصوصاً ان عون غاضب جداً منه، ويقول إن لا شيء سيدفع التيار الوطني الحرّ إلى تغيير موقفه من دون أساس لاتفاق مسبق وشامل. ويقول إنه أعطى الحريري ثلاثة أيام لتدبّر أمره. عون يصر على تشكيل حكومة من دون الحريري، حزب الله لا يزال يرفض، بينما الجميع يعتبر أن الرجل لم يعد يحظى بالغطاء الخارجي والشعبي، ويفكر عون باستدراج بعض شخصيات من “الحراك” لتشكيل الحكومة، ليقلب الطاولة على الحريري، رغم أن حزب الله يفضل الانتظار تفادياً لفتنة سنية شيعية.
بالمحصلة، أفضت “مناورات” الحريري الأخيرة الخاسرة إلى استنفاد رصيده بما يوحي باحتمال خروجه من المشهد السياسي في المرحلة المقبلة.
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع بيروت نيوز بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.