طرابلس: أعداء الداخل والخارج.. ومهازل “الممانعة”

19 ديسمبر 2019
تواجه طرابلس تحديًا صعبًا في الشارع (الإنترنت)
تواجه طرابلس تحديًا صعبًا في الشارع (الإنترنت)
beirut News

لا تملّ طرابلس من تجديد وعدها الوطني، أن تكون قُبلة الثورة وبوصلتها. وعند كلّ كمين ملغومٍ يصيب انتفاضتها الشعبية، تعاود نفض الغبار عن نفسها، وتذكّر بمعدن أصالتها: عاصمة ثانيةً للبنان، ومدينة راسخةً للبنانيين بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم.

اللعبة البائسة
في الأيام الماضية، مرّت طرابلس بوضعٍ دقيقٍ وحساسٍ، وصعبٍ أيضًا، وقد تكون مرشحة لامتحاناتٍ أشدّ صعوبة ووطأة، وهي مشرّعة للمتخاذلين والمتآمرين عليها في الأمن والسياسة، داخلًا وخارجًا. لا مجال للشكّ ببروز نوايا واضحة لجرّ البلد نحو مستنقع التحريض الطائفي والمذهبي من بوابة طرابلس، بعد أن خسرت السلطة معظم رهاناتها في إعادة تحسين شروطها. هذا المستنقع، هو أشبه بقارب الإنقاذ للطبقة الحاكمة، وتحديدًا لحزب الممانعة الذي اتقن في الحرب السورية على مدار 8 سنوات فنّ اللعبة الطائفية و”فوائدها” في التعويم السياسي. هي اللعبة المفضوحة نفسها في بلاد الربيع العربي، يُعاد استنساخها في لبنان: تعمل السلطات عبر “ثورات مضادة” على تقزيم انتفاضات شعوبها ضدّها من رتبة “ثورة شعبية” إلى مستوى “حرب طائفية” بين مناطقها. وهذه اللعبة البائسة والهزيلة، تجلّت مساعي ترجمتها على قاعدة “سنّة طرابلس” ضدّ “شيعة الخندق” أيّ بيروت، عبر تقاذف الشائعات والفيديوهات والتسجيلات التي تكيّل الشتائم والسباب والتحريض الطائفي من العيار الثقيل.

تخوض طرابلس معاركها على جبهات عدة، بتعدد خصومها والطاعنين في ظهرها. وهي حتّى الآن، تصرّ أن تكون على قدْر المواجهة في ردّ الصفعات، عبر الوقوف مجددًا وتثبيت أقدامها “الثائرة” على الأرض. يوم أمس، وبعد ليالٍ عاشتها على وقْع إثارة النعرات الطائفية من قبل مجموعات حزبية معروفة ومجموعات أخرى مشبوهة في انتمائها، سار أهل المدينة نساءً ورجالًا وطلابًا وعمالًا في تظاهرةٍ حاشدة انطلقت من ساحة النور، ورفعوا شعار “طرابلس ضدّ الطائفية”، ورفضًا لاستغلال الانتفاضة الشعبية  “في بث الفتنة”، ورددوا شعاراتهم تحت راية العلم اللبناني “لا للفتنة الطائفية، لا للحرب الأهلية، نعم للبنان الحر الموحد”.

في كلّ مرّة، تُحدث طرابلس هذا الذهول، وتردّ على “خصومها” بخطابٍ واعٍ ووطني يؤكد أن لا رجوع إلى ما قبل 17 تشرين الأول 2019. لكنّ هذا النوع من الردّ، لا يعني أنّ المدينة بإمكانها أنّ تستمر بأدوات المواجهة نفسها، وأن تغفل عمّا يحيكه خصومها الشرسين، وتحديدًا من يركبون موجتها ويدّعون ارتداء لباس “الثورة”!

خصوم طرابلس
عندما خرج محازبون من حركة أمل وحزب الله في شوارع بيروت، وعبّروا عن نقمتهم الشديدة من مشاركة طرابلسيين في التظاهرات أمام مجلس النواب، ووجهوا لهم الاتهامات بتخريب العاصمة، وما تبعه من حوادث كرٍّ وفرّ مع القوى الأمنية وشرطة المجلس، بدا واضحًا أنّ ثمّة خوفًا كبيرًا لدى الثنائي الشيعي من حراك الشارع الطرابلسي خارج عباءة زعامته الحريرية والسنيّة. هتف أهالي طرابلس بالفم الملآن: “سعد سعد سعد ما تحلم فيها بعد”، بينما أولئك المحازبون، كانوا يهتفون “شيعة شيعة” ويطالبون بـ 7 أيار جديد.

لم تستوعب بعد أحزاب الممانعة وتياراتها، أنّ طرابلس مع ما تمثّله من عمقٍ وثقلٍ للطائفة السنية، لم تعد راضخة لسلطة زعامتها، وأنّها كسرت بالقول والفعل قدرة أحزابها على قمعها وضبطها. فقدت هذه الأحزاب سيطرتها في التعاطي مع طرابلس، لأنّ شارعها ثائر بالمعنى الحقيقي، وهذا ما “أزعج” ممانعة لبنان، وهي تقف شاهدةً على تحولٍ كبيرٍ في الساحات، وهو ما دفعها أيضًا إلى محاولة جرّ المدينة للخطاب الطائفي والتحريضي، بهدف زجّها إلى مربّعها التقليدي في السياسية والانتماء، من دون أن تفلح بذلك حتّى اللحظة!

المندسون وما شابه
على مقلبٍ آخر، تواجه طرابلس تحديًا صعبًا في الشارع، بعد أن أصبحت مسرحًا خصبًا لتناحر الأجهز الأمنية وأزلامها من جهة وبروز وجوه متعددة من “المندسين” والمخربين والمشغلين من قبل جهات خارجية من جهةٍ أخرى. “ظاهرة” ربيع الزين وأتباعه أمثال أحمد باكيش وبشير المصري وابراهيم مصطفى (أبو سمير)، وربيع هو رجل صاحب أجندة مشبوهة في علاقته السياسية والأمنية والخارجية وانتماءاته، ليس وحده “لاعبًا” مشبوهًا في طرابلس. وبينما يسعى الزين أن يبتعد عن المشهد بعد أن فاحت “رائحته” وأن يُقدّم بعض أتباعه لتنفيذ أجندته، برز من الأيام الأولى للثورة اسم الشيخ سيف الدين الحسامي، وهو كان رئيس “جبهة العمل الإسلامي، هيئة الطوارئ”، يتولى مع مجموعته مهمة إغلاق المؤسسات الرسمية في طرابلس، مثل المالية والعقارية والريجي وقاديشا. والحسامي الذي يطلق عليه في اللغة الأمنية لقب “أبو 100 ألف”، كان على مدار سنوات تحركه في طرابلس، على علاقة وثقية برئيس حركة التوحيد هاشم منقارة المعروف بولائه لحزب الله، وهو كان على علاقة أيضًا بالنائب وئام وهاب، وكان يسعى على مدار السنوات الماضية إلى التنقل بين معظم المكاتب السياسية. سيرة الحسامي الطويلة التي تحوم حولها كثير من علامات الاستفهام، وتحديدًا حول علاقاته الأمنية وبسفارة خليجية، تشير معلومات “المدن” أنّ لديه شبكة من عشرات التابعين الذين يعملون لديه في تحركاته الحالية مقابل 20 ألف ليرة لبنانية في اليوم الواحد!

تنظيف الساحة
وواقع الحال، أنّ ثمّة شريحة واسعة في طرابلس، بدأت تتطلع إلى ضرورة أن تواجه معركة “تنظيف ساحتها”، قبل أن تتحول مسرحًا لإفراز واستنساخ نوعٍ جديدٍ من “قادة المحاور”. ووفق معطيات “المدن”، بدأت مجموعات مدنية فاعلة في المدينة تبحث فكرة “حراسة الثورة” في الداخل، وأن تكون بالمرصاد في مواجهة أصحاب الاجندات الأمنية والفتنوية، لا سيما بعد تصاعد أخبار عن مساعي بعض الجهات المناهضة للثورة لإعادة إقحام التيارات الإسلامية المتشددة إلى طرابلس، بهدف ضرب ثورتها وصورتها.

أمّا المسؤولية الكبرى، فتقع على عاتق الأغلبية الصامتة في طرابلس، وهي أغلبية من الفئة المدنية النخبوية والمثقفة، التي لم تعبّر عن نفسها بعد، لكنّها حتمًا لن تسمح بجرّ طرابلس إلى مستنقع الفتنة الطائفية. فهل حان موعد تحركها لحماية لطرابلس ومشروعها الوطني والمتقدّم في بناء الدولة؟