سعد الحريري وحسّان دياب: السنّة في مخاض مظلوميتهم

23 ديسمبر 2019
بيروت نيوز
بيروت نيوز
beirut News

كان بديهيًا أن يفرز تكليف حسان دياب لرئاسة الحكومة شعور “المظلومية السنيّة”، وتحديدًا لدى أنصار الرئيس سعد الحريري من أبناء طائفته. لكنّ البداهة في هذا الشعور، ليس لأنّ سنّة لبنان والحريري هم مظلومون في واقعهم المعاش، بل لأنّ لا بديل لديهم ولا حتّى مرادف عن هذا القول. خرج سعد الحريري من السلطة فحلّ بدلًا منه حسان دياب، مكرسًا خطاب “المظلوميّة السنيّة”، فكان تمثيله يوازي نسف “الميثاقية” بين الأقوياء في طوائفهم.

تضليل الشارع
جاء دياب الذي لم يشتهر سوى بكتابه النرجسي عن نفسه، حين كان وزيرًا للتربية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بقوّة شيعية ومسيحية، وبفقدانٍ للشرعية السنيّة شعبيًا وسياسيًا ودينيًا (رجال الدين). وبدعة الميثاقية الخارقة للدستور والقانون، على قاعدة أنّ رئيس الجمهورية يأتي بتأييد الأكثرية المسيحية، ورئيس مجلس النواب بالأكثرية الشيعية ورئيس الحكومة بالأكثرية السنيّة، دفعت أنصار الحريري “السنة” داخل مناطق نفوذه شمالًا وفي بيروت، أن ينزلوا إلى الشارع بدافع من عصبياتهم، وأن يهتفوا “الله وحريري وطريق الجديدة” و”الدمّ السنّة عم يغلي غلي”، وغيرها من الهتافات التي سعت أن تركب على ظهر الثورة، لكنّها لم تصبّ سوى في مصلحة أرباب الثورة المضادة.

اللعبة في دولة لبنان المنهكة بالانهيار وبفساد المفسدين هي نفسها: حين يخرج أقوياء الطوائف من جنّة السلطة، يعودون تلقائيًا إلى ملعبهم الأصلي، فيلعبون على وتر الوجود الطائفي بانتهازه شعبويًا، تحت غطاء المظلومية والاضطهاد والإبعاد القسري عن الحكم في السلطة. لكن في حالة سعد الحريري، بدا تحرك “المفاتيح الانتخابية” دفاعًا عن الطائفة هزيلًا وفاقدًا لقدرته على التأثير حتّى داخل بيئته، التي لا تربطه بها سوى الأزمات، إن لجهة آلاف الموظفين في مؤسساته الذين صُرفوا من أعمالهم ولم يبرء ذمته تجاههم، أو لجهة أنصاره الشعبيين الذين لم يحقق لهم شيئًا من وعوده في الانماء والتوظيف.

ثمّة جنوحٌ في تضليل الشارع في المناطق ذات الغالبية السنية. والحريريون أنفسهم، لم يستوعبوا بعد أنّ  ما وصلوا إليه مع زعيمهم هو نتاج طبيعي لأدائه ومساره السياسي. بدءًا من التسوية الرئاسية التي اعتبر فيها الحريري أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون هو “ضمانته”، مرورًا بالقانون الانتخابي الذي وافق عليه وأدى لخسارته الأكثرية النيابية، وإلى ترأسه الحكومة صوريًا وتفويضه للوزير جبران باسيل أن يكون حاكمًا بأمرها، وصولًا إلى انخراطه في نادي المحاصصات والمشاريع الفاسدة (تلزيمات جهاد العرب ومجلس الإنماء والإعمار نموذجًا).

وإذا كانت حكومة 2011 هي حكومة حزب الله والانقلاب على الحريري والميثاقية والأغلبية السنيّة، فإنّ حكومة حسان دياب 2019 جاءت بعد أن رفض الحريري ترؤسها، وبعد أن امتنع مع كتلته عن تسمية بديلٍ منه. والسؤال اليوم: هل يصلح خطاب “المظلومية السنية” للتداول والاستغلال بالأدوات ذاتها والمنطق نفسه لما قبل ثورة 17 تشرين الأول؟ وهل يمكن العمل على تأسيس أيّ مشروع سياسي بديل عن السلطة القائمة، في ظلّ الإصرار على التمترس خلف قواعد الاشتباك السياسي نفسها بين طائفة سنيّة مظلومة وطائفة شيعية لديها فائض من القوّة وأخرى مسيحية تقاتل “لاسترداد حقوقها”؟

مصطفى علوش: مظلومية إقليمية
يعتبر عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل الدكتور مصطفى علوش، أنّ الانطباع الشعبي بـ “المظلومية السنية”، لا يرتبط فقط بهوية رئيس الحكومة، و”إنّما يتعلّق بواقع محلي واقليمي ودولي يعيشه السنّة”، ويقول لـ”المدن”: “القضية لا تتعلق بسعد الحريري بالذات، لأن اللوم يتوجه إليه حتّى من شريحة شعبية سنية تؤمن بهذه المظلومية، لأنه برأيهم تغاضى عن كثير من الأمور أوصلتهم إلى هذا الواقع. لكنّ القضية مرتبطة بإحساس وانطباع لدى الطائفة السنية أنهم مواطنون درجة ثالثة في البلد، وأن دورهم وأهميتهم تقلّ بدرجات كبيرة عن القوى الطائفية الأخرى، وعلى رأسهم الشيعة والمسيحيين، وقد يجدون أنفسهم أيضًا خلف الأقلية العلوية والدروز”. يؤكد علوش أنّ هذا الانطباع الشعبي لدى السنة قد لا يكون موضوعيًا، وأن الانطباع يتخطى المنطق، “لكنّ ضرب الميثاقية من خلال تنصيب شخصية غير محبوبة من السنة، بينما عماد تركيبة هذا التكليف كان حزب الله والتيار الوطني الحر، ساق إلى هذه النتيجة”. فـ”هذا الفريق كان أمام خيارين: إما اخضاع الحريري لها في الحكومة تحت غطاء الميثاقية، أو أن تأتي بشخصية مثل دياب لا تحظى بميثاقية لكنها خاضعة لها، بينما خيار سعد الحريري عدم المشاركة في الحكومة ارتبط بمسألة الميثاقية، بعد أن امتنعت القوى المسيحية عن تأمين الغطاء له”. ويرى علوش أنّ مخاطر أيّ مظلومية لأي فئة من اللبنانيين هي أولًا بالانكفاء وعدم المشاركة في الدولة، و”هذه اشكالية كبرى يصعب تخطيها، لا سيما أن الواقع الإقليمي يزيد من هذه المظلومية، في العراق واليمن وسوريا التي تشهد على هجرة ملايين السنة منها هربًا من نظام الأسد”. يصرّ علوش أنّ هذه الحكومة التي تقدّم نفسها على أنّها حكومة تكنوقراط، هي “حكومة حزب الله لأن من يسمي هو من يحكم”. ويسأل: هل ستفتح هذه الحكومة ملفات الفساد المتعلقة بوزاراء حركة أمل وبالتيار الوطني الحر في وزارة الطاقة وبحزب الله ومعابره غير الشرعية؟ أم أن السنة سيكونوا “كبش فداء” في هذه الملفات لشيطنتهم على قاعدة أنهم فاسدون وإرهابيون؟”.

الثمن الذي دفعته طرابلس
على مقلبٍ آخر، ثمّة رفض قاطع لمنطق المظلومية. وفي ظلّ ما شهده كورنيش المزرعة وطريق الجديدة من شغبٍ وصدام بين أنصار المستقبل ضدّ عناصر الجيش مع القوى الأمنية، كانت العين على طرابلس، خوفًا من  محاولات جرّها واستغلالها في معركة المتاريس الطائفية، وخوفًا من سلخها عن دورها المحوري الذي لعبته في الثورة ضدّ السلطة. وخسارة طرابلس في الثورة، قد توازي خسارة الثورة برمّتها. في هذا الشأن، يعتبر المحامي فهمي كرامي، وهو واحدٌ من الناشطين الفاعلين في ثورة طرابلس وداخل خيم الحوار السياسي، أن الأزمة الحقيقية لدى ترسيخ مفهوم “المظلومية السنية” ترتبط بأدبيات هذا الخطاب. يقول: “في الشكل، وبعد أن استطاع الشارع في ثورة 17 تشرين أن يستعيد دوره في اللعبة السياسية التي كان مغيبًا عنها، كانت ثورته أولًا ضدّ الخطاب الطائفي، ولا يستطيع أن يكون حاضنة للحديث عن أيّ نوع من المظلوميات الطائفية، سنيّة وغيرها”.

يذكّر كرامي أنّ طرابلس دفعت ثمن هذا الخطاب باهظًا، وما وصلت من سوءٍ وتردٍ في أحوالها كان واحدًا من نتاج خطاب المظلومية الطائفية. فـ “التيارات السياسية لا تتقن غير لعبة المظلومية الطائفية، بينما أهداف الثورة هي في تقديم الحقوق المدنية والمواطنية على الحقوق الطائفية. والدستور والطائف واضحان في هذا الشأن، ولا يوجد أيّ نصّ قانوني صريح عن معنى الميثاقية الطائفية”.

السلطة وفق كرامي، “تحاول بشتى الوسائل دفع اللبنانيين إلى المتاريس الطائفية، وهم يجيدون اللعب على شفير الهاوية والانهيار عبر شدّ العصب والتجييش الطائفي”. وإذا كان السنة يشعرون بـ”مظلومية” في الحكم، “دعونا نكون أول من يكسر هذه الميثاقية، بالتسابق على الصح وليس على الغلط، وحتّى تكون مقدمة لقطع الطريق على تفريخ أيّ مظلومية شيعية أو مسيحية، لأنّ المعركة الأهم تتمحور حول تأسيس دولة المواطنة المدنية لا دولة الطوائف”.