باسيل يفخّخ الحكومة قبل ولادتها.. وبرّي يكبحه

27 ديسمبر 2019
المشكلة الأساسية تبقى في توزير الشخصيات السنّية
المشكلة الأساسية تبقى في توزير الشخصيات السنّية
beirut News

بعيد تكليفه تشكيل الحكومة، أعلن حسان دياب وشدد على أنه سيشكل حكومة اختصاصيين ومستقلين، وأن يكون هو صاحب الخيار الأساسي في تشكيل حكومته! لكن بري سرعان ما بادره بإصراره على حكومة تكنوسياسية تضم المكونات المختلفة.

باسيل العائد بقوة
في الأثناء بدأت الكواليس تضج ببعض أسماء التركيبة الحكومية. فظهر لعين التينة (نبيه برّي) وحارة حريك (حزب الله) وبنشعي (سليمان فرنجية)، أن جبران باسيل يستأثر بالتركيبة. فهو سمّى الوزراء المسيحيين كلهم، خصوصاً بعد اقتراحه توزير قبلان فرنجية، الخصم اللدود لسليمان، واقتراحه أسماء سياسية بغطاء تكنوقراطي، مثل شادي مسعد لوزارة الدفاع، وهو كان في الانتخابات الأخيرة مرشحاً لمقعد نيابي في حاصبيا – مرجعيون على لائحة التيار العوني. وينطبق الأمر نفسه على الوزير الدرزي المقترح، غسان العريضي، صديق الوزير الياس بو صعب المقرب. واقترح باسيل أيضاً توزير مروان خير الدين، وغسان مخيبر، وسمّى وزراء من الطائفة الشيعية على قاعدة الاختصاصيين أو المستقلين، بلا تنسيق مباشر مع الثنائي الشيعي. وحتى الوزارات المقترحة للثنائي، باستثناء وزارة المالية لغازي وزني، هي وزارات “بسيطة” وبلا أهمية.

وظهر أن باسيل اقترح لوزارة الداخلية العميد المتقاعد لبيب بو عرم، فيما يرغب الثنائي الشيعي التفاوض مع الحريري على الداخلية، لتليين موقفه والحصول منه على غطاء سنّي رفض الحريري منحه للحكومة المرتقبة، ورفض أيضاً طلب الثنائي أن يقدم أسماء للتوزير.

حياكة قديمة متجددة
وسط حياكة هذه التفاصيل المعتادة، خرج فرنجية بموقف تصعيدي في وجه دياب وباسيل، معتبراً أن باسيل يستأثر في تشكيل الحكومة. وهذا الموقف يطابق موقف الحريري الذي فجّر العلاقة مع باسيل وعون، ونزع “الغطاء الميثاقي” عن التشكيلة.

بالطبع، لا يناسب فرنجية وبرّي أن تكون حكومة حسان دياب من تركيب باسيل. وحزب الله لا يرضى ضمناً بذلك، على ما أوضح النائب حسن فضل الله، الذي أكد تشكيل حكومة تضم المكونات كلها، وتقوم على أسس التفاهم.

يصر رئيس الجمهورية على ولادة الحكومة سريعاً. دياب يجاريه في ذلك. لكن السرعة تتعثر بسبب طريقة التشكيل التي لا تناسب قوى أساسية في 8 آذار، مبدئياً وفي التفاصيل. ففي اللقاءات السابقة كانت النقاشات تتركز على كيفية توزيع الحصص والحقائب السيادية والأساسية. ما يعني أن هناك الكثير من التفاصيل التي تعوّق الاتفاق. لكن الأكيد أن حكومةً لا يوافق عليها برّي وفرنجية، لن تمر. وهذا بمعزل عن موقف “اللقاء التشاوري” الذي يطالب بوزير من الشمال يمثله.

كالعادة يلعب الجميع على خيط رفيع: عون مصرّ على الإقدام. بري وحزب الله وفرنجية يفضلون التريث، لعلّهم يصلون إلى تفاهم مع الحريري.

خيارات محتملة
هناك وجهتا نظر حول ما يجري: إما أن يشكل دياب حكومة تكون معركتها الأساسية نيل الثقة وتوفيرها. وإذا توفرت تكون الحكومة أمام استحقاقات كبيرة قاسية، لا يُعرف مدى صمودها في وجهها، وفي وجه موقف المجتمع الدولي منها.

وجهة النظر الأخرى تقترح تحويل الحكومة – في حال عدم نيل الحكومة الجديدة الثقة، بسبب رفض بري وفرنجية التصويت لها – إلى حكومة تصريف أعمال.

وتؤكد معلومات استحالة السير بالتركيبة الحكومية المقترحة، من دون موافقة بري وفرنجية. وهذا يسقط احتمال الذهاب إلى مجلس النواب لكي تنال الحكومة الثقة.

أما في حال طال التأليف كثيراً، فإن المعطيات والظروف تتغير، فينسحب دياب، ويُعاد إبرام تسوية جديدة بالتفاهم مع الحريري.

في المعطيات الأخيرة المتوفرة، يتحدث عون وحزب الله ونبيه بري عن إحتمال ولادة قريبة للتشكيلة الحكومية قد تكون الأسبوع المقبل، ولكن مسألة الأسماء لم تحسم بعد، خصوصاً ان لائحة الـ 50 إسماً التي أعطاها باسيل لدياب تم رفض الكثير منها ويتم البحث بأسماء جديدة، كما سيتم البحث في اليومين المقبلين بكيفية توزيع الحصص على كل فريق. لكن المشكلة الأساسية تبقى في توزير الشخصيات السنية، إذ اعتذر العديد منهم عن التوزير بعد موقف الحريري. هنا يتم العمل على انتقاء الأسماء السنية، على ألّا تكون مستفزة للحريري. فيما تلفت المصادر ان الأسماء التي يتم اقتراحها لن تكون نهائية، وبعضها الهدف منه الحرق. يشير رعاة الحكومة إلى التفاؤل، لكنهم لا يريدون الغرق فيه، كي لا يصطدمون بعقبات غير ظاهرة كما حصل مع مرشحين سابقين.

لا شيء تغير
هذا كله يذكّر اليوم بما كان يجري في الأمس. كأنما شيء لم يستجد ويحدث: لا انتفاضة شعبية على عادة تشكيل الحكومات، وسوس الدولة والحكم على هذا النحو. ولا أزمة مالية واقتصادية خانقة وغير مسبوقة في تاريخ لبنان.

من الممارسات المعتادة في تشكيل الحكومات، نستعيد هنا ما حدث بعد استقالة الرئيس عمر كرامي في شباط 2005: بعد تلك الاستقالة، ذهب كرامي إلى عين التينة، فالتقى برّي. كانت توجهات حزب الله وحركة أمل آنذاك، تصر على إعادة تكليفه تشكيل الحكومة. لكن كرامي اشترط أن يُترك له هامش التشكيل وفق ما يراه مناسباً. حصل على ضوء أخضر من برّي، وبدأ يضع تصوره الأولي لحكومته. وعندما التقى إميل لحود للتشاور حول التركيبة الحكومية، أبلغه كرامي أنه لا يريد سليمان فرنجية في وزارة الداخلية، لأنه يستفز قوى 14 آذار، واقترح أن يمنحه وزارة الصحة. رفض لحود ذلك بذريعة أن برّي يريد وزارة الصحة لمحمد جواد خليفة، ولا يمكن إعطاءها لفرنجية. أجاب كرامي أنه اتفق مع بري على تشكيل الحكومة وفق ما يشاء ويراه مناسباً، فأشار إليه لحود بوجوب التواصل مع بري.

سارع كرامي إلى الاتصال بعين التينة، فكان جواب برّي حاسماً: وزارة الصحة لمحمد جواد خليفة، ولن تكون لفرنجية. فهم كرامي الرسالة، وعلم أن المواقف الأولية تختلف عن لحظة التطبيق، ولن يُترك له هامش تشكيل الحكومة وفق ما يريد، فانسحب.

القصة نفسها تتكرر.. لكن كل مرة تصير النسخة الجديدة أردأ من سابقاتها.