الحبل السرّي بين الحريري وحزب الله سيُسقط دياب

28 ديسمبر 2019
في حال ولادة حكومة دياب وفق ما يشتهي عون وباسيل، ستكون حكومة ميتة (دالاتي ونهرا)
في حال ولادة حكومة دياب وفق ما يشتهي عون وباسيل، ستكون حكومة ميتة (دالاتي ونهرا)
beirut News

بعد أيام قليلة من استقالة الرئيس سعد الحريري، أكد حزب الله وحركة أمل على موقفهما: عودة الحريري حصراً إلى رئاسة الحكومة. وهما عبّرا عن ذلك مباشرة وعلناً، وأكثر من مرة. وكلما حاول الثنائي الشيعي  التقارب مع الحريري، كان هو يبتعد أكثر فأكثر، ويضع المزيد من الشروط. لقد صعَّد الحريري لإجبار الطرف الآخر على تقديم تنازلات.

محاولات لفهم الحريري
من الخيارات التي كانت مطروحة: تلويح الثنائي وباسيل للحريري بالعمل على تكليف شخص غيره لتأليف الحكومة، على ما أشارت “المدن” في أكثر من مقال في حينه. وكان هدف هذا التلويح إرغام الحريري على الإقلاع عن تصلبه، وتقديم تنازلات للعودة إلى رئاسة الحكومة.

وظل حزب الله وحلفاؤه، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، على استغرابهم مواقف الحريري وشروطه. فكروا كثيراً في دوافعه، فاعتبروا أنه يريد استعادة التوزان، بعد الضغط الشعبي والضغط الخارجي. وهناك من اعتبر أن هناك رفضاً خارجياً لعودة الحريري، لأنه لم يحافظ على التوازن، وتنازل عن كل شيء لحزب الله وعون. ولكن هذا ما دفع حزب الله إلى التمسك به أكثر، معتبراً أنه يريد العودة بنفسه لرئاسة الحكومة، ولا أحد سواه، وينتظر الوقت والظرف المناسبين.

ويوم كان الحريري مزمعاً على الاستشارات لتكليفه، أيقن حزب الله من أنه حسم خياره وأمره. لكن الحزب سرعان استشف في موقف القوات اللبنانية إشارة أميركية وسعودية إلى عدم رغبتهما في عودته. ذلك أن حزب الله لا يرى في مواقف القوات اللبنانية سوى  انعكاس للموقف الأميركي – السعودي. وهذا يعني أن ترؤس الحريري الحكومة أمامه عقبات وعثرات كثيرة، ولن يتمتع بأي غطاء، ولن يحظى بمساعدات.

في المقابل، كان واضحاً للحريري أنه لا يمكنه العودة إلى حكومة لتحمل مسؤولية الانهيار والإفلاس. وما لم يحظ بوعود دولية حقيقية بالمساعدات، فهو لن يعود، لأن الأزمة ستنفجر بوجهه مجدداً.

المعركة مع عون
ثمة من يعتبر أن المعركة لم تكن مع حكومة الحريري حصراً، بل إن المعركة الإقليمية والدولية كانت مع عهد ميشال عون، الذي استفز العرب والقوى الدولية، وأتخذ مواقف واضحة إلى جانب روسيا وإيران. وهكذا اعتبرت القوى الدولية أن موعد تصفية الحساب مع عون قد حان: الحصار المالي والاقتصادي. لكن هذا المسار هدفه تقديم تنازلات جدية على الصعيد السياسي. وحتى لو تمكن العهد من تشكيل حكومة مهما كان شكلها، فإن الموقف منها سيكون مرتبطاً ببرنامجها وآلية عملها ومواقفها.

بعيد تكليف حسان دياب تشكيل الحكومة، وُجهت أسئلة كثيرة إلى بعض الدول المعنية والمقرِرة في الملف اللبناني، فلم تقدم الدول المعنية إجابة واضحة أو شافية. كل الإجابات كانت مبهمة، وفي انتظار تشكيل الحكومة. ديفيد هيل قال إنه يجب انتظار الحكومة، ولا تعنيه أسماء الوزراء. وهذا ما اعتبره عون وحزب الله إشارة إلى عدم اهتمام أميركي بلبنان، فمضوا في خيارهم.

معطيات جديدة
لكن معطيات جديدة طرأت عبر مواقف ورسائل، فبدلت المشهد. أبرزها تبدل موقف الحريري العنيف إلى حدّ الانتفاضة. وهذا أحرج حزب الله نسبياً، لأنه يعني فقدان الرئيس المكلف الغطاء السني، مما يضع الحكومة المرتقبة في مواجهة السنّة وتيار المستقبل ودار الفتوى.

وفي هذه الحال يكون حزب الله قد خرج على خياره السابق: تشكيل حكومة لا تكون في مواجهة مع أي من المكونات، وخصوصاً المكون السنّي الذي يرغب توفيره، بعد توفير الغطاء المسيحي. وهو يريد الحفاظ على الحريري، لا سيما في ظل الحديث عن قرب صدور حكم المحكمة الدولية في اغتيال والده. وحزب الله يرغب في حدوث ذلك والحريري في السلطة أو شريكاً فيها.

الحقد العوني
يحرص حزب الله على مراعاة الحريري والشارع السنّي، بخلاف عون الذي يستعجل مع دياب تشكيل الحكومة، للانتقام من الحريري وتطويقه وإخراجه نهائياً من السراي الحكومية.

ولا يريد حزب الله الدخول في خلاف مع عون، فاضطر إلى السير بتكليف حسان دياب. لكن التأليف مسألة مختلفة. ومن الواضح التباعد في وجهات النظر بين الطرفين، حول شكل الحكومة ونوعية الوزراء وعددهم وكيفية توزيع الحقائب. هنا ثمة مفارقة: هل يستطيع دياب التفرد بتشكيل الحكومة، وهل لديه القدرة على معارضة توجهات حزب الله، واستجابة توجهات عون، مستنداً إلى دعمه وحده، أم هنالك أمور أخرى في الخفايا؟

يصر الثنائي الشيعي على حكومة من 24 وزيراً، ليتسع فيها هامش المناورة. دياب يريد بحكومة من 18 وزيراً، جميعهم من الاختصاصيين المستقلين. هذا ما بحثه مع عون من دون حمله صيغة محددة أو أسماء. تناقشا في دمج عدد من الحقائب. لكن الثنائي الشيعي يتمسك بتمثيل حزبيين اخصائيين. وهذا ما عبر عنه مسؤول حزب الله من بكركي، وتحدث عن أن النقاش لم يصل إلى الأسماء بعد. ما يعني أن تأخير ولادة الحكومة واقع. وهذا ما سيبحثه غداً دياب والخليلين.

ثمة توازنات سياسية يعرفها حزب الله جيداً وبدقة، وهذا ما لا يعرفه دياب، أو يعرفه ويتجاهله. أما عون فهو يصرّ على تجاهله.

حكومة ميتة
وفي حال ولادة حكومة دياب – باسيل على هذا النحو، تكون ولادتها بحكم الميتة، خصوصاً في ظل موقف الحريري. وهكذا تستمر الأزمة السياسية. فحزب الله لا يريد حكومة مواجهة، لأنه يعرف تداعياتها دولياً. والحلّ يبقى في يد حزب الله، وفي كيفية الوصول إلى نقطة تقاطع مع الحريري، لتحديد الوجهة المقبلة. وإذا ما استمر دياب على هذا المنوال، وشكل حكومة ما، فإن حكومته لن تستمر، بل تسقط .

الحبل السرّي بين الحريري وحزب الله وحدهما، وهو كفيل بترتيب الأمور: عودة الحريري.

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع بيروت نيوز بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.