نبض الشارع: شعب وسلطة.. بلا مقاومة

21 يناير 2020
شعار "السلمية" لم تهدده سوى سياسات التحالف الميليشياوي المالي
أحمد جابر
أحمد جابر

نهاية ثلاثية
معادلة الجيش والشعب والمقاومة انتهت عملياً بعد حرب عام 2006، وانتظم الوضع على الجبهة مع فلسطين في سياق القرار رقم 1701، والتزم اللبنانيون ما أملاه القرار المذكور من مندرجات، ومثلهم فعل عدوّهم الصهيوني، أما خرق أحكام القرار الدولي المشار إليه، فقد تناوب عليه طرفا الصراع، لكن ضمن حدود مرسومة، وقيود مدروسة، بحيث بدا أن التفاهم على وقف إطلاق النار الموثق خطياً، انسحب أيضاً على ما أصاب، وما قد يصيب هذا الوقف من “طلقات” قليلة لا تؤدي إلى إسقاطه مضرّجاً بسياسات التصعيد المتبادل.

سيرة ثنائية
نهاية الثلاثية بدأت مع انضمام “حزب الله” إلى التشكيلة الرسمية اللبنانية، ومع دخول ممثليه إلى ردهات السلطتين التشريعية والتنفيذية. دخول الحزب المتدرج، حضوراً ونفوذاً، جعله بعد التطورات التي حصلت في لبنان وفي محيطه، اللاعب الأوسع نفوذاً من بين نظرائه في التشكيلة السياسية، وشيئاً فشيئاً، بدا الحزب أنه الممسك بمقاليد توازنات السلطة، والذي يملك العدد الوافي من مفاتيح أبوابها المغلقة.

مشاركة الحزب الرسمية نالت من سياسة النأي عن الحكم التي كان يعلنها في بياناته وفي إعلامه، والالتزام بالتهدئة على جبهة السياسات القتالية فتحت النقاش المشروع في معنى استقلاله بقراراته الميدانية بعيداً من مراكز القرار الرسمية، في حين أنه طرف من الأطراف الذين يشغلون مقاعدها. هذه الإزدواجية التي تجمع بين الدخول إلى نادي الحكم عملياً، والبقاء عند أعتاب أبوابه إعلامياً، تقلصت تدريجياً لتندمج في أحادية عنوانها “إدارة التحكم” في وجهة الخيارات السياسية اللبنانية الكبرى، وفي الدفاع عن هذه الإدارة من خلال استعمال مفردات ولهجات استنفدت تباعاً حياديتها التي أخذت بها أطياف لبنانية عديدة.. إلى حين، ثم صارت لغة جمهور محدد، هو جمهور الحاضنة الشعبية، مضافاً إليها حلفاء الضرورة من بعض أطراف التشكيلة اللبنانية. لقد تكفلت جملة من الوقائع بتظهير هذه الوضعية الجديدة لحزب الله، وما نجم عن الوقائع من خلاصات سياسية متنوعة، نقل النقاش إلى شرعية الحديث عن ثنائية جديدة، لا يشكل حزب الله، أو المقاومة، طرفاً فيها، لاندماجه في السلطة ولو رفض حقيقة الدمج، ولذوبانه في الشعب، إن قبل حالة انتفاء خصوصيته الكيانية التنظيمية، وعليه، تستقيم ثنائية أخرى يقررها الواقع، ولا ينفيها أي إعلان معاند، هي ثنائية الشعب والدولة، أي الكيان الذي يتضمن الجيش كمؤسسة رئيسية وأساسية من مؤسسات الدولة الوطنية.

الشارع كرَّس الثنائية
أضاف التحرك الشعبي معطيات إضافية إلى معطى الثنائية التي باتت عنواناً للحركة السياسية التي انطلقت بعد تاريخ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، فالتحرك الذي اندلعت شرارته في صيغة مطلبية، تقدم تباعاً، ليتحدد سياسياً، وفق شعارات متدرجة، وباللجوء إلى أساليب متنوعة، جمعت بين الهدوء والصخب، إنما في إطار شعار “السلمية” الذي لم تهدده حتى تاريخه، سوى سياسات التحالف الميليشياوي المالي، المغلق فكرياً وسياسياً واجتماعياً. في مواجهة الشارع ومطالبه، لم يكن حزب الله حليفاً لمن يُفترض أنهم البيئة الأصلية للمقاومة، وللقوى المرشحة للتصدي لكل احتلال خارجي، فالبيئة تلك، هي وريثة هموم الاستقلالية الوطنية، والاندماج المجتمعي، والتوق السيادي، والتطلع إلى التقدم والحرية. ما بدر عن حزب الله، وطيلة الأيام التي مرّت على “ولادة” التحرك الشعبي، كان انحيازاً إلى حلفاء الضرورة الذين ظنَّ بهم حماية له، من ضمن الخليط اللبناني الطائفي، أي أن السلوك كان سلوكاً تعطيلياً لحركة الشارع السياسية والمطلبية، ولم ينقص هذا التعطيل أحياناً، إعلانات تهويلية وتحذيرية، أو ممارسات عملية عنفية، مما عرفه الشارع الشعبي وعاش آثاره وتداعياته.

طموح إلى استدراك؟
كثيرة هي الأدلة التي تجعل طلب الاستدراك صعباً، فحزب الله بنى منظومته أيضاً، على خلفية “سلطوية” هي حصيلة الجمع بين رؤيته الخاصة وبين إدماجها في السياق السلطوي الطائفي العام. هذا يحيل “أمل” الاستدراك إلى سعي وراء حلم، أو التمسك بحبال وهم ربما، لكن كل ذلك لا يمنع من الدعوة إلى قراءة ثانية لحقيقة المصالح التي تشكل الخيط الناظم لسياسات كل كتلة من الكتل الأهلية اللبنانية. ولأن السياسة “بنت مصالح” أهلها، فلا ضير من تذكير حزب الله، بأن حلفاءه الحقيقيين هم الذين يهتفون في الشارع ضد ناهبي خيراتهم وأعمارهم، فإذا كانت المقاومة أكثر من سلاح وفعل قتال، وهي في الحقيقة والواقع كذلك، فإن الواجب الاجتماعي، والمهمات المتعلقة بكل خير المواطنين والوطن، يجب أن تكون حاضرة وبقوة على جدول أعمال الحزب، من موقع الانتماء إليها، والاتصال بالعاملين في سبيلها، والاستعداد لرفد كل الساعين في “مناكبها” الكفاحية.

قد يذهب الطموح إلى الاستدراك هباءً، لكن الموقف “سلاح”، والشهادة لحق الشعب هي أولى واجبات كل من ينحاز إلى حركته التاريخية.

المصدر المدن