لم يعد خافياً على أحد أنّ الفلتان الأمني يتسارع ولا يمكن لأحد أن يوقفه، لأن هناك أموراً عدّة تجتمع مع بعضها لتشكل نقطة خطر كبيرة تضرب الوطن.
لا شكّ أن السلطة والأحزاب القابضة على الحكم تستعمل الخطر الأمني للضغط أكثر فأكثر على الثوّار، لإجبارهم على التراجع والعودة إلى منازلهم ليستمرّوا هم بطريقة حكمهم، في حين يلجأ بعض الأجهزة الى استعمال العنف المفرط والذي يناقض كل شرائع حقوق الإنسان.
وبحّ صوت القادة الأمنيين من الترداد أمام من يلتقونهم من مسؤولين سياسيين أن الحلّ ليس أمنياً، بل إنه سياسيّ بامتياز، ومن هنا تبدأ المعالجة الجذرية لأن إدخال الجيش والقوى الأمنية في مواجهات مع الشعب سينتج عنه حمام دم لن يتوقّف ولا يعلم أحد كيف تقف تلك المواجهات، علماً أن لا قرار أمنياً في الدخول في مثل هكذا مواجهات واحتكاكات.
وليس بين يديّ الأجهزة الأمنية أي تقارير جديّة ودسمة ومستندات عن تدخل أجهزة أجنبية في تحريك تظاهرات لبنان، على رغم اتهامات البعض بأن هناك أجهزة إستخباراتية دخلت على اللعبة اللبنانية وهي من تحرّك التظاهرات، علماً أنّ لبنان يشكّل منذ المراحل الماضية ساحة للعبة الأجهزة. وحسب تقارير بعض الأجهزة الأمنية فإنّ السبب المادي والإجتماعي والمعيشي هو من أحد أهم الأسباب التي تحرّك الثوّار، ومنهم من ينزل إلى الشارع بطريقة منتظمة، أما القسم الأكبر فهو يتظاهر عندما تكون هناك دعوات مركزيّة أو استحقاق ما أو يوم غضب معلن عنه سلفاً.
ولا تنكر الأجهزة أن هناك فئة تتظاهر من أجل مطالب سياسية، لكن هذه الفئة تتحرّك بحسب التعليمات التي تأتيها من الجهات الموالية لها وأيضاً بحسب ما هو مطروح من إستحقاقات على الساحة اللبنانية، لكن الأساس أن الثوار في معظمهم يتظاهرون من أجل المطالب المعيشيّة.
وتتزايد الأعباء الملقاة على عاتق الجيش اللبناني إذ إن دائرة مهماته تكبر، وكان آخرها مساندة القوى الأمنية في مواجهات وسط العاصمة بيروت والتي تتزايد يوماً بعد يوم وترتفع وتيرتها، وبالتالي فإنّ الوضع، حسب مصدر أمني متابع، بدأ يتفلّت، والمخاطر تتكاثر، والوضع الإقتصادي المتردّي يؤثّر سلباً على الأوضاع الأمنية في البلاد.
ويشير المصدر الأمني إلى أن البعض يتحدّث عن نزول الأجهزة الأمنية وعلى رأسها الجيش بكامل عتاده وعديده إلى المواجهات التي تحصل ويصوّب على هذه النقطة، لكن المصدر يؤكّد أن استعراض القوّة بهذا الشكل هو لعدم إستعمالها إذ إن الأمن هو هيبة، والأجهزة تتعامل مع الثوّار، باستثناء المخربين، بشكل سلمي، وهي لن تدخل في لعبة القمع الدمويّة، بل ستتصدّى للمخربين فقط.
وتتقاطع معظم تقارير الأجهزة الأمنية الفاعلة على أنه من الصعب لا بل من المستحيل ضبط الوضع الأمني من دون حلّ سياسي واقتصادي، فكما تنهار الليرة هكذا ينهار الأمن إذا لم تتمّ المعالجات السريعة، والدليل على ذلك أن الاجهزة تعمد إلى فتح الطرق في عدد من المناطق، وما هي إلا ساعات حتّى تقفل مجدداً، وبالتالي فان لعبة الكرّ والفرّ مستمرّة.
وتتحدّث الأجهزة عن نوعية جديدة من الثوّار لم تظهر في بدايات الثورة السلمية في 17 تشرين، وهؤلاء يظهرون في مواجهات وسط بيروت ويثيرون الشغب، ويعتمدون العنف وسيلة لتحقيق مبتغاهم، لذلك لا تستطيع الأجهزة الأمنية تركهم يسرحون ويمرحون من دون ملاحقة، خصوصاً أنهم يباشرون تظاهراتهم في الإعتداء على الأجهزة، وهؤلاء ليسوا من طرابلس وعكار فقط بل من مختلف المناطق اللبنانية.
وتقف الأجهزة الامنية بين مطرقة السلطة وسندان الثورة، وتواجه الأجهزة إنتقادات على استعمالها العنف المفرط ضد المتظاهرين، وهذا لا يليق بصورتها، خصوصاً إذا ما تحولت إلى قوة تحمي السلطة الفاسدة، لذلك فإن مصيرها على المحك، وصورتها أمام الناس لا يجب أن تهتز، لأنها المؤسسة التي تشكل أساس بناء الدولة القوية المستقبلية.