أثناء متابعتي الصحافية أحداث ليلتي السبت والأحد، (18 و19 كانون الثاني الحالي) في شارع ويغان، وتحديداً عند مدخل “قلعة” ساحة النجمة، كنت أسأل نفسي: لماذا مقفلة هذه الطريق المتفرعة من ويغان؟ ولماذا يستحيل الوصول إلى ساحة النجمة، التي كانت لسنين خلت لنزهات العائلات والأطفال في عطل الآحاد؟ هي ساحة عامة وتكثر فيها المقاهي ومقاعد رصيف للزوار. واستماتة القوى الأمنية في التحصن خلف سور المحمية، حملني على التساؤل: ترى هل يحسب صاحب المحمية أن المحتجين سيقدمون على حرق البرلمان؟ لا، لا، يستحيل أن يقدموا، فكرت.
وغصت في الأسئلة مستطلعاً مشهد الحشود، وهي تحيي الشبان الذين فقد بعضهم عيناً أو إصبعاً أو يداً، وتعرضوا للضرب والرصاص الحديد المغلف بالكاوتشوك (رصاص مطاطي كما يقال): لماذا يرفعون السور مرة تلو المرة أعلى من ذي قبل؟ ولماذا، ولماذا؟
الصديق الواقف إلى جانبي راح يمطرني بأسئلته أيضاً، فلم أجبه عن أي منها، فانفعل قائلاً: بماذا أنت هائم فلا تجيب ؟!
في السابق هتف المتظاهرون مراراً في ذاك الشارع ضد “مجلس الحرامية”، واقتصر الغضب حينها على تدافع بينهم وبين مكافحة الشغب، عندما كانوا يحاولون انتزاع حواجز الحديد المتحركة. وتطور التدافع إلى صدام، فعمدت القوى الأمنية إلى وضع أسلاك شائكة. ثم تطور الأمر فزنّر حراس المجلس مدخل الشارع بأعمدة حديد وضعوها أفقيةً ثابتة تصمد أمام التدافع. لذا لجأ المتظاهرون إلى رشق القوى الأمنية بالمفقرعات والحجارة التي بدت أكثر فعالية في التظاهرات اللاحقة.
تفتقت عبقرية حرس المجلس النيابي عن وضع السواتر الحديد المنتهية من الأعلى بدفة منحنية إلى الخارج، تقيهم انهيال الحجارة عليهم. لكنها لم تنفع بفعل إصرار المتظاهرين الذين راحوا يتسلقونها ويرمون الشرطة بالحجارة.
كان المتظاهرون قبل حصول الصدام يهتفون “ارفع سور المجلس علّي. بكرا الثورة تشيل ما تخلي”. في تظاهرة يوم الأحد نال الثوار من قسم كبير من هذه الموانع المستحدثة لحماية رؤوس شرطة مكافحة الشغب وحراس المجلس. اكتشفوا سهولة اختراق المتظاهرين السواتر الحديد، فعمدوا يوم الاثنين – أي بعد واقعتي السبت والأحد – إلى استبدالها. رفعوا السور أكثر كي لا يتسنى للمتظاهرين تسلقه. لم ينتبهوا للهتاف السابق الذي يهدد بأن الثورة ستطيح المجلس وسكانه. هذه هي القاعدة العامة التصعيدية للاحتجاجات في شهرها الرابع، في حال استمرت الأوضاع على ما نحن عليه.
سيجد المتظاهرين طريقة ما لتسلق تلك السواتر، وسيجد حراس المجلس طريقة مختلفة للحماية، وهكذا دواليك. وسنكون على موعد مع عنف متصاعد يفقأ عيوناً ويحطم أيد وأصابع، وربما رؤوساً.
لكن ما لم يحسب له رئيس المجلس وشرطته حساباً، هو أن تدرج الغضب قد يفضي إلى أصرار أكبر لاختراق السور والوصول إلى الساحة العامة، ساحة النجمة.
فهل سيزيد رفع السور نقمة المتظاهرين ليبلغ بهم الغضب إلى تحطيم البرلمان يوماً ما، بعدما يسقط منهم شهداء في هذه الاحتجاجات أمام مفترق الطريق المؤدي إليه؟ هل الدخول إلى الساحة العامة تكسر هيبة رئيس المجلس؟ ربما يعتقد هو ومناصريه وحراس مجلسه أن الأمر كذلك. يعمدون إلى منع المتظاهرين من الوصول حتى لو اقتضى الأمر قلع عين متظاهر، أو رمي حجارة على رؤوس المتظاهرين من سطح المبنى. وهذا حصل يوم الأحد. وكاد حجر يشج رأس إحدى المتظاهرات، لكن اعتمارها خوذة دراجة نارية أنقذها.
لم يعد الوصول إلى ساحة عامة مقفلة لجعلها مفتوحة للعامة، بعدما تحولت محمية خاصة برئيس ونواب وحراس، هو لب الصراع. فلو نجح المتظاهرون في محاولاتهم السابقة المتكررة منذ أكثر من سنوات خمس، لربما كانوا تجولوا في الساحة وتبادلوا فرحة الانتصار في الوصول إلى مقاعدها، وعادوا إلى منازلهم.
لكن القمع المفرط الذي حصل وسيحصل قد يجعلهم يطيحون الساحة وما عليها من شرطة ومقاعد وأشجار ومبنى قابع على صدورهم، وليس مؤسسة يفترض أن المنتدبين إليها يمثلونهم.
هذا ما يدل عليه هتافهم: “ارفع سور المجلس علّي. بكرا الثورة تشيل ما تخلي”، على الرغم من كهربته أخيراً، على مثال الشريط الإسرائيلي المكهرب على الحدود.