كي لا يسقط “العهد”.. سيسقط لبنان

23 يناير 2020
كي لا يسقط “العهد”.. سيسقط لبنان
يوسف بزي  كاتب وصحافي
يوسف بزي كاتب وصحافي

يتسم نظام الأسد بمظهرين، الضابط العنيف والمرأة العصرية. التزاوج بين “الجميلة والوحش” هو واحد من صور الأسدية في الترويج لنفسها، كنظام يتبنى “الحداثة”.

وفي التجربة السورية هذه، كانت الشراسة النسائية تضاهي سادية الضباط وتتماهى معها وتمنحها سحر العصرنة، بمنتهى الأناقة: معظم الممثلات السوريات المواليات للنظام، الإعلاميات الجميلات اللواتي كنّ يهللن للمجازر ولمشاهد الجثث المتناثرة، المغنيات والمطربات، كتيبة المقاتلات العلويات محترفات القنص، وبالطبع، لونا الشبل، بثينة شعبان، أسماء الأخرس. وبين القاتل والعشيقة قام  نظام بشار الأسد على مبدأ أصلي: احتقار الشعب السوري.

ننتبه إلى هذا، في لحظة ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة. فما يحدث في لبنان اليوم، وعلى نحو مفزع، هو تسارع التشابه بين نظامه والنظام الحاكم في دمشق. أكثر فأكثر، يتوطد مبدأ احتقار الشعب اللبناني. وأكثر فأكثر تتماشى النزعة القمعية وارتفاع منسوب البطش مع خدعة توزير النساء وإكثارهن. تمويه التوحش بحضور الأنوثة.

جاءت الحكومة الجديدة بست وزيرات، بينهن وزيرة للدفاع. مزج متقن لحضور الضابط والمرأة العصرية. تركت ريا الحسن وزارة الداخلية مكللة بعار إطفاء العيون والسحل والاعتداء على الموقوفين، فورثها ضابط من العيار الثقيل، رئيس الأمن العسكري السابق في عهد لحود، صديق جميل السيد وعلي مملوك، والمسؤول السابق عن أمن مصرف! هذه بشارة مهيبة للأيام المقبلة، وما ينتظر اللبنانيين من عهد مغرم بنظرية “الأمن الممسوك” وبالغ الحرص على أمن المصارف أيضاً.

وبالنظر إلى الوزراء المعينين، وكيفية اختيارهم ومن سمّاهم ورشّحهم ومنحهم المنصب والحقيبة، فمن الواضح أن حسان دياب يرأس حكومة من وزراء برتبة موظفين أو مستشارين. هذا أيضاً من أوجه الشبه مع نظام دمشق، حيث السلطة في مكان آخر. بل أن دياب نفسه، يبدو منتدباً من تلك السلطة، لا مالكاً لها.

بهذا المعنى، وتشخيصاً لحالنا ودولتنا ونظامنا، حان الوقت للاعتراف أيضاً، أن للبنان حزباً حاكماً لا يقل استئثاراً وسيطرة عن حزب البعث (سابقاً) في سوريا. مسلح وعنيف ومتعدد الأجهزة السريّة القامعة.

وانطلاقاً من هذا التشخيص، تكتسب شبهة عودة “الوصاية” وزمن إميل لحود، الكثير من المعقولية، خصوصاً وأن العونية – الباسيلية قطعت أشواطاً كثيرة في “التفاهم” مع حزب الله نحو التماثل مع عقيدة “العلاقة الاستراتيجية” التي جمعت الحزب بالمخابرات السورية وبعهد إميل لحود في أواخر التسعينات. وإلى هذا الحد أو ذاك، يبدو حسان دياب نسخة أكثر ركاكة من سليم الحص في ذاك العهد البائس.

هكذا، هناك منظومة متسلطة أمنية ميليشياوية مخابراتية ومافيوية (وطائفية)، تحكم وتقرر وتقمع، تؤلف مسرحاً أو واجهة لها، تتصدره وجوه مستشارين متعلمين وموظفين أنيقين وحسناوات جميلات وسيدات عصريات “لطيفات”.

الاحتقار للشعب اللبناني “يرتقي” إلى سوية احتقار الأسد للشعب السوري. الكلمات التي تفوه بها حسان دياب فور خروجه رئيساً للحكومة ليل الثلاثاء، سارقاً بفجور “وجع الناس”، وكأنه قائد الثورة وممثلها، توحي ليس فقط بمصادرة الانتفاضة وتجسيدها في شخصه، على منوال قول بشار الأسد أنه هو قائد الثورة السورية الأول والمصلح الأول والمنتفض الأول، بل نيته نزع “الشرعية الثورية” لكل من يعارضه (يعارض السلطة بالأحرى).

رداً على ثمانية وتسعين يوماً من الانتفاضة كانت حكومة من أشخاص عبّر معظمهم عن ازدرائه بها. حكومة مؤلفة من “أتباع”، سماتهم مستنسخة من مواصفات حسان دياب، الشديدة البلادة. خدعة “التكنوقراط” بأسوأ نمط كاريكاتوري ممكن.

أبعد من ذلك، منذ العام 2011 نجحت “الممانعة” في إزالة الحدود بين لبنان وسوريا.. إلى حد إزالة الفارق بين الاقتصادين. نجاح منقطع النظير في تعميم البؤس. وعلى هذا المنوال، سنكون مقبلين على إزالة الفارق أيضاً قمعاً وبطشاً وثأراً من المنتفضين و”المعارضين”.

لقد صدق حسن نصرالله في وعده: لن يسقط “العهد”… وإن سقط لبنان.

المصدر المدن