أين الجنرال المتمرّد؟

25 فبراير 2020
بشارة شربل
بشارة شربل

على ذمة الراوي، أن البطريرك صفير عوتب: كيف لم تسمح لنا بإطاحة اميل لحود؟ فأجاب: لطالما نصحتكم فعصيتم، فلماذا اخترتم طاعتي في ما أخطأت فيه؟

أتذكر هذه “الرواية” وأنا أفكر بطريقة معالجة الرئيس عون “القانونية” للأزمة المالية الإقتصادية التي أدخلتنا في الإنهيار.

يبدو أن فخامته بعدما طاب له المقام في بعبدا قرر محو سلوك الجنرال “الحالِم” الذي شغل الكرسي في 1988 ومنه أطلق، من غير تكليف، مدافعه في كلّ اتجاه.

يريد فخامته بهدوء المسؤول الأول وحكمة المنصب، التعامل بالقانون وعبر القضاء مع مَن نهبوا المال العام وسرقوا ودائع المواطنين وأوصلوا الأكثرية الساحقة من “الشعب العظيم” الى أسفل الدركات.

والرئيس الذي كان معروفاً بطبعه الحامي يرفض ان يُتّهم شخصٌ بلا دليل، فلا نسمّي معتدياً على الأملاك البحرية إلا اذا امتلكنا الصكوك وجلبنا الشهود وتحوّلنا محققين. عندها نرفع “الإخبار” الى القضاة “المتحفزين” لإعمال القانون والضمير.

فخامة الرئيس. كنتَ جنرالاً متمرداً. والتمرّد ضدّ الاحتلال الأسدي كان أفضل ما لديك. أطلقتَ الحروب غافلاً التوازنات الاقليمية والدولية. خسرتَ وخسر معك المسيحيون ولبنان. لكنّك نفّذت قناعاتك فأحبَّ فيك كثيرون الروح المتعطشة للتحرير، والحماسة الجامحة للتغيير، والنزعة الانقلابية الشعبوية المُلازمة لضباطٍ طامحين.

ويبدو، يا فخامة الرئيس، أنّ أكبر انقلاب نفَّذتَه هو على قناعاتك السياسية وأحبَّ ما في شخصيتك. ما بالك حين تربّعت على كرسي الرئاسة تحوّلتَ حملاً وديعاً رهين محبسي القصر والصهر؟ ثمّ كيف تغفو وشعبك ذليلٌ على أبواب المصارف والمخابز؟

فخامة الرئيس. نريد منك أن ترجع ذاك الجنرال الثائر ليومٍ أو يومين. ندلُّك على الطريق وسيصفق لك كلّ اللبنانيين. ولعلّك تخرج بذلك من معادلة “كلّن يعني كلّن”.

فخامتك على يقين بأنّك فشلتَ في الاصلاح والتغيير ومحاربة الفساد. انخراط جماعتك وأقاربك في لعبة السلطة والمال خيرُ دليل. و تدرك كذلك أنّ استعادة الأموال المنهوبة دونها آلاف الأميال وأننا مفلِسون بنكاً مركزياً ومصارف خاصة.

أدعوك إذاً الى التمرّد على “السيستم” واتباع نموذج “ريتز” في ما أسميتَه “قصر الشعب” لأنّه سريع وفعال. وما دمتَ عاجزاً عن استدعاء سياسيي الطبقة الفاسدين، رعاة المجالس والمقالع والبواخر والصفقات والتلزيمات والتوظيفات، إفعل ما بمتناول يدك. استدعِ رياض سلامة وعصابة المصارف. فالحاكم “التاريخي” يحمل سرّ الفساد العميم منذ العام 1993 وحتى آخر فضيحة بيع لليوروبوندز. و”الحاكم بأمر الطبقة السياسية” يعرف كلّ حسابٍ مشبوه و”هندسة” ملغومة على مدى ثلاثة عقود، وكيف دخلت الأموال وطريقة “تخريجها” وإخراجها لكلّ الأطراف. إنّه باختصار، سمكريّ “البئر وغطاه”.

فخامتك، عُد ذاك الضابط الرافض انهيار الدولة في السبعينات. استدعِهم مع حفنة فاسدين معروفين. لا تحتجزهم. بل اخبرهم انّهم في اجتماعٍ مفتوح لن ينتهي إلا بتحقيق مبتغاه. ثم إرفع سوطك فوق رؤوسهم ووجِّه لهم إهانات وارغمهم على إعادة ما نهبوه أو غطّوا سرقته. سترى آنذاك أنّنا قد لا نحتاج إلى صندوق النقد الدولي.

إرجَع ضابطاً ذا عنفوان لساعات. أقلب الطاولة. عهدك ومشوارك الطويل ينتهيان ببؤس ومأساة. الرئاسة والتحاصص في السياسة حطّما ذاك المتمرّد الذي كان يضجّ فيك.

فخامة الرئيس: عصابة “أوباش” سرقت اللبنانيين. أرجِع لنا حقوقنا، وسنعفيك لمرّةٍ من واجب احترام القوانين.

المصدر نداء الوطن