لبنان في امتحان “تراكم” الكوارث

21 مارس 2020
لبنان في امتحان “تراكم” الكوارث
رفيق خوري
رفيق خوري

تكرار الكوارث معلّم كما يقول المثل الأميركي.

ما تَعلّمه العالم من الكوارث الطبيعية وأحدثها وباء كورونا، هو التعاطف الإنساني والتضامن الإجتماعي. الدول فتحت صناديقها، والأثرياء بادروا الى التبرع لا فقط من اجل العناية الطبية بالمصابين بل ايضاً لمساعدة الذين فقدوا وظائفهم والمجبرين على العزل المنزلي والذين تقطعت بهم السبل والمؤسسات التي توقفت عن العمل بسبب الكورونا.

والذي تعلمه العالم من الكوارث التي يصنعها الحكام مثل الحروب والسياسات السيئة، فإنه الحقد والتعصب والخوف. وأما الكوارث التي تصيب الفرد وأسرته فإنها تعلّم الصبر والتحدي والرجاء ورفض الانسحاق.

في العام 1826 كتبت ماري شيللي رواية “الرجل الأخير” لتعزي نفسها بعد وفاة زوجها الشاعر بيرسي شيللي وأطفالهما الثلاثة. الرواية عن طاعون يمتد من القسطنطينية الى لندن ويجتاح العالم العام 2100، ويقتل الجميع باستثناء رجل واحد يبقى كعبرة لاستمرار الأمل.

لبنان يعاني ليس فقط تكرار الكوارث بل ايضاً “تراكم الكوارث”.

كارثة كورونا تتراكم فوق الكوارث السياسية والمالية والإقتصادية والإجتماعية، التي صنعتها سلطة ما بعد الطائف الآتية من كارثة الحرب الطويلة. كانت ممارستها تدار بما يسمى “قانون تاتشر:أيّده اليوم واقلق غداً”.

وحين دقت ساعة القلق، بعد الانفاق الهائل بالاستدانة على الهدر والفساد والعجز وتركيب السطو على المال العام والمال الخاص، كنا ايضاً في ساعة الهلع حيال كورونا، وساعة العجز عن سداد الدين العام الذي بلغ ارقاماً فلكية.

كنا مرتبكين في معالجة الأزمة النقدية والمالية والإقتصادية العميقة.

ولم يكن في صندوق الدولة ما يجب تقديمه لمساعدة الشعب في المحنة. ولا رأينا حتى الآن، الذين أثروا على حساب الدين العام والذين سطوا على المال العام، يبادرون الى التبرع بجزء من أموالهم المكدسة لمساعدة الضحايا.

أقسى امتحان في المناعة امام كورونا يخوضه بامكانات متواضعة بلد فاقد المناعة المالية وضعيف المناعة السياسية. وأقصى ما نتوقعه في معالجة الأزمة العميقة التي يدير المسؤولون عنها اللعبة خلف واجهة حكومية من ممثليهم، هو توصيف فرويد للعلاج النفسي: “تحويل البؤس الهستيري الى تعاسة عادية”.

والأفظع وسط تبادل الإتهامات في الإعلام فقط بين الشركاء انه لا مسؤول عن كل هذه البلاوي يدفع الثمن.

وعلى العكس، فان صانعي الأزمات باقون يلعبون ادوار صانعي الحلول، بعضهم يطالب بصلاحيات استثنائية بدل ان يتنحى. وبعضهم الآخر يغلق بقوته باب الاصلاحات الجذرية خوفاً على مكاسبه ومن كشف ممارساته.

ولن نفقد الرجاء والأمل، ولو ان الأمل فطور جيد لكنه عشاء فقير… كما يقول المثل.