كورونا وانتهازية التيار العوني: حواجز تحلل الدولة وترسم الفدرالية

الردّ العوني على قطع ثوار 17 تشرين الطرق أتى في لحظة كورونا

29 مارس 2020
كورونا وانتهازية التيار العوني: حواجز تحلل الدولة وترسم الفدرالية
منير الربيع
منير الربيع

ربما أعاد انتشار وباء كورونا في لبنان، إحياء حنين بعض اللبنانيين إلى أيام الأمن الذاتي.

فـ “الأمن الصحي الوقائي” يدفع كثيرين إلى إبراز عضلات مفتولة في إقامة حواجز، والبحث عن سلطة ضائعة، يحتاجونها لإثبات وجودهم.

توسل الوباء ثأراً من شعور بالهوان، انحطاط أخلاقي ما بعده انحطاط. فبذريعة الوقاية الصحّية، تنتصب حواجز العراضات والاستقواء على الآخرين!

حواجز لكورونا!
بعد توسع رقعة انتشار الوباء، ظهرت تحركات مناطقية وقروية في الشوارع. هناك من استفاقت في نفوسهم خبايا أيام سالفة وبائدة.

والتركيب أو التفكك اللبناني المتنوع طائفياً ومذهبياً وسياسياً لم يعد يحتاج إلا لظرف وذريعة لإظهار الجوع إلى استعراض القوة، التي تنطوي على ضعف معنوي وصغار، يتخذان شكل الاستقواء على الآخرين.

وهذا المرض العضال لا يقتصر على طائفة أو منطقة من دون أخرى.

فيما أكتب هذه السطور، وردت فيديوهات من منطقة حلبا في عكار عن إشكال وإطلاق رصاص بين بعض سكان المنطقة ومرافقي أحد النواب.

وهناك من يصرخ قائلاً: يريدون توريط أهالي القرى بنزاعات في ما بينهم.

هذه نتيجة تحلل الدولة وعدم قدرتها على بسط سيطرتها.

غياب القرار السياسي الحاسم، سمح لشذاذ الآفاق بالنزول إلى المفارق ومداخل القرى والبلدات لإقامة الحواجز.

والأسوأ أن بعضاً من رجال “الأمن المناطقي” هم في عداد الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية، وخلعوا بزاتهم ونزلوا إلى الطرق بثياب مدنية.

كل منهم يدّعي الدفاع عن بلدته وقريته في مواجهة الوباء الذي لا يُرى ولا يمكن مواجهته.

والمواجهة الفعلية هي مع سكان البلدات الأخرى.

الذريعة حاضرة: يتسلحون بميزان لقياس الحرارة، ويوقفون السيارات العابرة للتدقيق والتحقق في مدى الالتزام الطبي والوقائي!

في بعض المناطق حصل توتر ووقعت إشكالات واشتباكات.

وفي مناطق أخرى مرّت الأمور على خير ظاهرياً.

لكنها بالتأكيد أرست شقاقاً جديداً لا بد من التعمق في قراءته، خصوصاً في المناطق المتنوعة مذهبياً أو طائفياً أو سياسياً.

واللبنانيون سريعو العدوى في ما بينهم.

لا بل يتبارزون في المزايدة في هذا المظهر أو ذاك.

وهذا قد يكرس منطق فدراليات الأمن الذاتي.

وسياسياً يتخذ عنوانين: لامركزية إدارية موسعة، أو لا مركزية مالية.

حواجز عونية
لم يكد حزب الله ينتهي من الإعلان عن خطته لمواجهة انتشار الوباء وتجهيز المراكز، حتى شرعت قوى وأحزاب أخرى تعلن عن خططها وبرامجها.

وهنا لا بد من التركيز على دور التيار العوني، الذي أعلن عن تجهيز أكثر من 29 مركزاً، ووضع منتسبين إليه في خدمة التعقيم ومحاربة الوباء، بثياب برتقالية للدلالة على انتمائهم.

طبعاً هذه فرصة لا تعوض للاستثمار الشعبوي والسياسي بذريعة توفير الحماية الطبية للناس.

وهذا نوع من الحواجز السالفة الذكر.

التيار العوني، صاحب العهد والحكومة، وعراب الدولة منذ 4 سنوات.

لكنه يجاهر علانية بعدم اقتناعه بالدولة المركزية.

يطالب بتوسيع اللامركزية المالية والإدارية.

وكل ما يجري قبل كورونا وبعده يصب في هذا السياق. وهذا يدلّ على تحلل الدولة مقابل صعود نجم ازدواجية المؤسسات.

الحواجز نصبها شبان وبلديات في مناطق من المتن وكسروان وجبل لبنان وجزين، ليست إلا دليل على تلك الإزدواجية، وحاجة العونيين للنزول إلى الشارع وإقامة الحواجز لإثبات وجودهم وقدراتهم.

في العام 2014، اقتحمت مجموعة “أوميغا تيم” التابعة للتيار العوني مكتب قناة الجزيرة في بيروت، احتجاجاً على ما ورد في أحد برامجها.

حصل الاقتحام بالتزامن مع تسويق العونيين وجوب حمل السلاح والدفاع عن الأراضي اللبنانية من هجمات قد تأتي من سوريا.

قائد مجموعة أوميغا تيم كان حينها قد التقط صوراً لنفسه يحمل سلاحاً في سوريا ويشارك في المعارك مع نظام الأسد. كانت تلك أبرز تجليات التحالف بين العونيين وحزب الله.

فالتيار الذي لطالما ادعى أن عصبه يقوم على الجيش والقوى الشرعية، ناقض نفسه بنفسه

وهذا ما فعله في التظاهرات التي نظمها التيار في العام 2015 ضد قيادة الجيش، وللضغط في سبيل تعيين شامل روكز قائداً للمؤسسة العسكرية. حينذاك اشتبك العونيون مع عناصر الجيش.

العونية والجيش
مع تطور الأحداث في سوريا، وزيادة منسوب الخشية اللبنانية من انعكاسها على لبنان، عمل التيار على دعم ما يسمى “المتقاعدين العسكريين” كجيش بديل عن الجيش الذي كانوا على خصومة مع قيادته في تلك الفترة.

ووصل مؤسس التيار إلى رئاسة الجمهورية، وتجددت العلاقة مع الجيش، لكنها لم تدم طويلاً. بدأت عوامل انفجارها ما قبل ثورة 17 تشرين، وتكرست بعد اندلاعها لدى محاولات كثيرة لزج الجيش في مواجهة المتظاهرين.

استشعر التيار خسارته الأرض في المناطق المسيحية، فخرج بحملات سياسية تتهم المتظاهرين بأنهم يتلقون دعماً من القوات اللبنانية، “التي تحنّ لأيام الحرب والأمن الذاتي”.

صراع على المسيحيين
وجاءت أزمة كورونا الصراع الأساسي الذي يهم التيار العوني هو في المناطق المسيحية، التي لا يريد لأي قوة سياسية أن تنافسه فيها.

أيام قطع الطرق، اتهم القوات بتأليب الشارع المسيحي عليه لتطويقه.

انتهت الثورة، أو خمدت حالياً.

لكن تشكيل الحكومة، والإصرار على معمل سلعاتا، والتنقيب عن النفط في البلوك رقم 4، والمطالبة باللامركزية الإدارية والمالية، وغيرها من الخطوات، تشير كلها إلى الصراع على المناطق المسيحية.

وأزمة كورونا وانتشار الوباء، أحب الفرص للانتهازيين: الردّ على قطع ثوار 17 تشرين الطرق، هناك جهاز طبي كامل للتيار العوني الآن يتحرك على الأرض في المناطق المسيحية، مدعوماً بشبان يقيمون الحواجز، ليقولوا مجدداً: نحن هنا على الأرض.
المصدر المدن