كتب شارل جبوب تحت عنوان حكومة الحركة بلا بركة في صحيفة الجمهورية أيّ متابع لحركة الحكومة يخرج بانطباع واضح بأنها، ربما، من أنشط الحكومات المتعاقبة: اجتماعات لرئيس الحكومة على مدار الساعة، وأكثر من اجتماع للحكومة في الأسبوع، وبين كل اجتماع واجتماع اجتماعات وزارية في مواضيع محدّدة، وعلى رغم كل ذلك لا نتائج عملية حتى الساعة.
لا يكفي أن تكون الحكومة كخلية النحل في حركة لا تهدأ على مدار الساعة، فهذا أمر جيد لا شك، ولكن الأهم ان تكون حركتها هادفة ضمن مسار واضح المعالم وخطة مكتملة الأوصاف وقادرة على اتخاذ القرارات المناسبة ترجمة لرؤيتها المالية والاقتصادية والإصلاحية.
صحيح انّ الحكومة شُكّلت في مرحلة صعبة للغاية واستثنائية وأمامها تحديات كبرى باعتبار انّ لبنان في صلب انهيار مالي غير مسبوق، ولكن الصحيح أيضاً انّ فرَص نجاحها قائمة ومتوفرة في حال أرادت ذلك، وتحديداً في حال أراد رئيسها حسان دياب ان يتجاوز الخطوط الحمر الموضوعة أمامه من الأكثرية المشكلة للحكومة، خاصة وانّ الفشل سيتحمّل دياب تبعاته شخصياً بسبب عدم إقدامه، وتقيُّده بسياسة الأمر الواقع.
وحتى الأكثرية المكونة للحكومة سترمي بالفشل على دياب بسبب تلطّيها خلفه وعدم إقرارها بمشاركة علنية، والدليل انّ مصادر النائب جبران باسيل رفضت الاتهامات الموجهة إليه بالمحاصصة في التعيينات وألقَت بالمسؤولية على الحكومة، فيما الجميع يعلم انّ كلام المصادر منافٍ للحقيقة، ولذلك على رئيس الحكومة ان يختار بين إنقاذ البلد ونفسه، وبين تحميله منفرداً تَبعات الفشل الحتمي، لأنّ استمرار الحكومة على المنوال الحالي يعني اصطدامها بالحائط المسدود.
والفارق بين حكومة دياب وحكومتي الرئيس سعد الحريري يكمن في افتقادها للتوازن داخلها كونها مشكّلة من لون واحد، وبالتالي أي توازن سيكون من مسؤولية رئيس الحكومة الذي يملك ورقتي قوة تحصّنان دوره ومهمته: الورقة الأولى انه في حال قرّر الاعتكاف او الاستقالة لا بديل عنه، وأي بديل لن يقبل التكليف بشروط الأكثرية الحاكمة، ولأنّ الوضع المالي الكارثي يجعل الأكثرية الحاكمة تتمسّك بدياب لا العكس كون البديل هو الفوضى، وبالتالي عليه ان يستفيد من هذا الواقع من أجل تحقيق ما تعذّر تحقيقه في السنوات السابقة، ما يعني أنّ عليه ان يخوض مواجهة حافة الهاوية مع هذه الأكثرية، وخلاف ذلك يعني فشله وفشل حكومته.
كل المؤشرات تؤكد أنّ الأكثرية الحاكمة تريد مواصلة سياسة ترقيع نفسها من أجل الحفاظ على مكتسباتها في الدولة ظنّاً منها انّ باستطاعتها أن تزاوج بين استمرار إمساكها بمفاصل السلطة، وبين إدارة التفليسة القائمة، ولكنها لا تضع في حساباتها انّ هذه السياسة التي أوصَلت لبنان إلى الانهيار ستقوده إلى الانهيار الشامل واستطراداً إلى الفوضى، إذ يستحيل إقناع الناس بالخروج من الشارع مقابل تشكيل حكومة على صورة الحالية، كما يستحيل إقناع الثلاثي «المستقبل» و«القوات» و«الإشتراكي» المشاركة في حكومة إنقاذية من دون تنازلات مؤلمة يُقدم عليها الثنائي الشيعي والعهد، فيما الثلاثي السيادي بات على قناعة راسخة بأنّ الإنقاذ مع الأكثرية القائمة متعذّر ومستحيل، ولهذا السبب يتمسّك بحكومة اختصاصيين مستقلّين.
فالتحدي الأساسي للحكومة هو التحدي المالي والاقتصادي، ولم تثبت لغاية اليوم بأنها على قدر هذا التحدي، فلا خطة مالية واقتصادية بعد، وهذا التأخير في الإعلان عن الخطة لا يمكن تفسيره إلا بكونه ينمّ عن خلافات وعدم قدرة على وضع رؤية إصلاحية طموحة، بدليل انّ الحكومة العاجزة عن تعيين نواب حاكم مصرف لبنان وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، والحكومة العاجزة عن وضع آلية عصرية وحديثة للتعيينات بفعل إصرار مكوّناتها على الزبائنية والمحاصصة، لن يكون بمقدورها تحقيق أي خطوة إصلاحية فعلية.
فعلى قاعدة «المكتوب يقرأ من عنوانه» فإنّ سلوك الحكومة في يومياتها يتراوح بين حكومة تصريف أعمال، وبين إدارة لوضع عادي لا استثنائي كما الحال اليوم، ويتطلب خطوات استثنائية لا شكلية، ويستحيل على حكومة لا تقطع مع ممارسات سابقة وغير قادرة على الإطلالة على اللبنانيين بحلّة جديدة من باب التعيينات التي تساوي بين الجميع وتُفضي إلى تعيين الأكفأ ولا تأخذ من أحد على حساب أحد بل تصبّ في مصلحة الدولة، بأن تكون قادرة على إقفال أبواب الهدر والفساد التي تشكل مصلحة مباشرة وحيوية للأكثرية الحاكمة وأصعب بكثير من ملف التعيينات.
وعلى رغم انّ الانهيار يطال الجميع من دون استثناء، ولكن الجانب الإيجابي لهذه الحكومة التي تشكلت من لون واحد يكمن بإظهارها انّ الفساد، وليس فقط مصادرة القرار السيادي، تتحمّل الأكثرية الحاكمة مسؤوليته برفضها الإصلاح الحقيقي لكونه يقطع برزقها غير الحلال من أموال الدولة والناس، فيما مسؤولية بعض القوى السيادية تنحصر في مسايرة هذه الأكثرية والتماشي معها.
فالفشل هذه المرة سيتجاوز حكومة دياب أو مقولة سياسات الـ٣٠ سنة الماضية التي يتذرّع بها الفريق الأكثري ليصيب فريق ٨ آذار مباشرة، لأنه لو كانت هنالك إرادة فعلية للإنقاذ لكان تمّ هذا الإنقاذ في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي كانت من لون واحد، ولكان تمّ أيضاً مع العهد الحالي وأخيراً مع الحكومة الحالية، ولكان تمّ أيضاً وأيضاً في أي حكومة من الحكومات المتعاقبة منذ العام ٢٠٠٥ لو كانت لدى فريق 8 آذار النية بذلك، ولكن هذا الفريق الذي يُصادر القرار السيادي ويمنع الدولة من تحمُّل مسؤولياتها قد ظهر متلبّساً بأنه يحول دون تحقيق الإصلاح كونه المستفيد الأكبر من الفساد والفوضى المؤسساتية، إنما مع فارق أساسي هذه المرة انه أصبح مكشوفاً أمام اللبنانيين، وانّ هذا الواقع سيقود إلى انهيار كل شيء.
لقد بات من الصعب مبدئيّاً الرهان على نجاح الحكومة، فكل المؤشرات تدلّ على فشلها الحتمي إلّا في حال قرّر رئيسها ان يقلب الطاولة، لأنّ الرهان على نيّات الفريق الأكثري ليس في محله، وبالانتظار لا يمكن توصيف الحكومة وحركتها سوى بحكومة «الحركة بلا بركة».