عن المغتربين: من يرغب العودة إلى الجحيم؟

هنا الغربة في كل معانيها، هنا الجحيم

31 مارس 2020
عن المغتربين: من يرغب العودة إلى الجحيم؟
نادر فوز
نادر فوز
تتحضّر الحكومة، بغضون ساعات، لإعلان خطة عودة اللبنانيين من الخارج.
ومع إعلان الأمر المقرّر سياسياً قبل العودة إلى الحكومة حتى، ستكثر المعلومات والمعطيات والمؤشرات، في حين أن لا رقم شافياً ولا أعداد واضحة.
والجميع بانتظار إجراءات إضافية وتجهيزات جديدة وقرارات ميدانية من المفترض أن تستقبل من غادرونا، من مطارات دولهم إلى مطار بيروت، ثم في أحيائهم ومنازلهم. سألت الكتلة الوطنية، في موقف نادر الصواب، عن أعداد اللبنانيين الذين من المقرّر أن يعودوا إلى لبنان نتيجة أزمة فيروس كورونا.

“ألفاً أو 5 أو 50 ألفاً”؟ سألت الكتلة من بين جملة من الأسئلة الواقعية الأخرى. وطبعاً ليس من جواب رسمي واحد على سلسلة تساؤلاتنا هذه.

قجج منتشرة
فالمسؤولون، بحكومتهم وأحزابهم وجماعاتهم وطوائفهم، لم يتخيّلوا يوماً أن يكونوا أمام استحقاق مماثل. لطالما نظروا إلى الجاليات والمغتربين كقجج ثابتة، يحفظون فيها الأموال والناخبين والعلاقات ومشاريع الاستثمار والمال.

وهذه القجج أيضاً يترسّخ فيها الانتماء الحزبي، بتاريخيه الأسودين. في المجازر والقتل على الهوية وفي الفساد والعصبية.
ويوم خرج مئات اللبنانيين في مدن العالم لإنشاد “هيلا هو” و”كل المجلس حرامي”، انصدمت السلطة. هؤلاء من جيل لم يتشرّب سمومها وانفصل عن واقعها المحلي الضيّق.
تماماً كأجيال الطلاب التي سكّرت مدارسها وجامعاتها للتلويح بشعارات الثورة في طرابلس وجونيه وجل الديب وبيروت وصيدا وعرسال.

خرجوا من قجّة عمرها عقود صدّعتها الثورة، شقّقتها ثم كسرتها. وبنظر السلطة ومن فيها، لا بد من إعادة تلحيمها بكلمات من عيار “الزُبى” و”الانتشار” و”الجذور”.

أغلبية تعرف البلاء
من بين عشرات الأصدقاء المنتشرين حول العالم، لا يرغب أحد من المعارف العودة. حتى أنّ لا جرأة على طرح السؤال على بعض المقرّبين.

قد يمدّون أياديهم من الهاتف لسحبنا منه، إليهم.
هؤلاء، منهم الطلبة والموظفون والمهاجرون، يعرفون أنّ أزمة كورونا في كل مكان. هنا وعندهم، في الجزر والجبال، ولا هرب منها إلا إلى السماء.
حتى في أشد البلدان فتكاً بكورونا، إيطاليا، تقول سفيرة لبنان فيها ميرا ضاهر إنه “من بين 800 طالب لبناني يرغب 150 فقط بالعودة”.

حق هؤلاء العودة اليوم قبل الغد طبعاً، إن كانوا مرضى أو أصحّاء. ومن واجبات الدولة أن تؤمّن لهم كل مستلزمات عودتهم، ورعايتهم وسلامتهم. لكنّ الأغلبية لا تريد العودة، لأنها تعرف جيداً ما في هذه البلاد من بلاء.

بلاء مؤصّل
قطاعنا الاستشفائي غير حاضر لاستقبال اللبنانيين القادمين من الخارج. هذا باعتراف نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، ومسؤولين في القطاع الطبي، ومسؤولي لجان طارئة وكل من امتلك الجرأة لقول ذلك في وجه القرار السياسي الذي يفرض عودة “المنتشرين”.

حال هذا القطاع كسائر أحوال البلد، وسائر القطاعات الأخرى العاجزة. فاللبنانيون في الداخل، محكومون ببلاء تام، مؤصّل ومجذّر. بلاء الوضع الاقتصادي والأزمة المالية، بلاء الكهرباء والمياه، بلاء الضمان الاجتماعي والبطاقة الصحية، بلاء الهدر والفساد، بلاء التلوث والروائح العفنة.
بلاء وجوه يومية من سياسيين وإعلاميين ومصرفيين وزعماء حرب. إن عاد اللبنانيون من الخارج، ستصبح يومياتهم كيومياتنا.
ستقتحم دنياهم شخصيات كاريكاتورية في السياسة والإعلام والفن، حتى في المطبخ.

يسأل كثيرون كيف لمن أجبَرَنا على الاغتراب أن يعيدنا إلى لبنان اليوم؟ فمن هجّر الناس في الحرب والسلم على حدّ سواء، لا يمكن أن يعيدها في زمن كورونا.

ويُتبع السؤال بجواب منطقي: ثمة فائدة سياسية من كل ذلك، لا شك! سلطتنا لا تفعل شيء عن طيب خاطر. علّمتنا أن وراء كل أزمة “لحسة إصبع”، ومن كل صندوق أو مجلس فائدة أو تنفيعة.

العائدون، ستخنقهم هذه الوجوه وهي تطمئنهم قائلةً إنه “لا داعي للهلع”.

سيجدون الغربة هنا، حتى لو ترافقت مع صحن مجدّرة أو ملوخية أعدّتها يدي الأمينة الحنونة. هنا الغربة في كل معانيها، هنا الجحيم.

فمن يرغب العودة إلى الجحيم؟ ربما من يعيش جحيماً أكثر حماوة.

المصدر المدن